هيئة تحـرير الشام لم ترض الداخل ولم تفز برضا الخارج.. وهذا حال علاقتها مع تركيا
أوطان بوست – وكالات
استجابت “جبـ.ـهة النصرة” سابقاً، وهي تحرير الشام حالياً للمتغيرات الإقليمية والدولية في استهـ.ـداف الجمـ.ـاعات الموصوفة بـ “الإرهـ.ـاب”
وحاولت أن تنأى بنفسها في وقت مبكر بتغيير اسمها من “جبـ.ـهة النـ.ـصرة لأهل الشام” إلى “جبـ.ـهة فتح الشام”
والانضواء ضمن تحالف واسع ضم فصائل غير محسوبة على تنظيم القاعدة تحت مسمى “هيئة تحرير الشام؛ لكن في كل الأحوال اعتبرت الولايات المتحدة ودول أخرى أن تغيير الاسم لا يكفي بحد ذاته.
وطالما تبنّت أدبيات تحرير الشام خطاباً مختلفاً تماماً عن خطاب تنظيم القاعدة الأم في ما يتعلق باستهـ.ـداف المصالح الغربية التي تؤكد على أنها لا تستهـ.ـدف مصالح أي جهة أو أي دولة خارج حدود الأراضي السورية.
في البداية نجحت هيئة تحرير الشام في ضم آلاف المقـ.ـاتلين من الفصائل الأخرى، مثل حركة أحرار الشام وجنـ.ـد الأقصى وغيرهما إلى صفوفها بوسائل شتى
من بينها شن هجـ.ـمـ.ـات على بعض الفصائل، والسيـ.ـطرة على مخـ.ـازن الأسـ.ـلحة والمعابر الحدودية التي تعد من بين أهم مصادر تمويل الجماعات المقـ.ـاتلة في سوريا.
واستندت استراتيجياتها في تثبيت وجودها وبناء قوتها في “المناطق المحررة” على كسب “الحاضنة” الاجتماعية باعتمادها على تجنيد السكان المحليين بالدرجة الأولى في تشكيل مجموعاتها القتـ.ـالية وإدارة مناطق سيطرتها.
واستثمرت انشغال الولايات المتحدة والدول الإقليمية بمقـ.ـاتلة تنظيم الدولة، وعدم مشاركة تلك الدول في قتالها.
لكن محاولاتها في تشكيل حاضنة لها فشـ.ـلت لعدة أسباب، لعل أهمها عدم تغير هيكلتها بشكل جذري
فما زالت تلك القيادة هي نفسها التي تدير تحرير الشام، وهذا شكل عائقا في ترسيخ فكرة التغيير لدى الشارع وفي أوساط الفصائل وحتى الدول التي مازالت تصنفها كمنظمة “إرهـ.ـابية”
ورغم كل البراغماتية التي تتمتع بها قيادة تحرير الشام إلا أنها لم تستطع تجاوز هذه النقطة ولو حتى بشكل إيحائي.
وأيضا النظرة الفوقية التي تتميز بها الجماعات الإسلامية عموما، فهي تخلق حاجزاً بينها وبين المجتمع، على اعتبار نظرتها للمجتمع بأنه “مميع للأصول ومضيع للشرائع”
ومن هنا تعتبر نفسها وصية على عادات وتقاليد والمجتمع وهذا جعل جميع تلك الجماعات الإسلامية تفشل في تكوين الحواضن الشعبية.
هذا التعالي الفكري يشكل برجاً عاجياً يجعل تلك الجماعات تطل منه على المجتمع مما يعمق الشرخ ويزيد التباعد.
ومن الأسباب الأخرى، فشـ.ـل حكومة الإنقاذ في تعزيز الثقة بينها وبين المجتمع، حيث أنها اعتبرت محسوبة على تحرير الشام
وفشـ.ـلت في تقديم نفسها على أنها بعيدة عن الإيديولوجيا، ولم تحقق إنجازات على مستوى الخدمات مقابل ضرائب يعتبرها المجتمع مجحفة بحقه
وخاصة أن المجتمع المحلي لم تنشأ لديه فكرة الدولة بعد هذه الحـ.ـرب المريرة، وتعامل خلال السنوات الماضية بشكل عشوائي غير منظم.
كذلك حالة الفقر التي يعاني منها المجتمع تجهله أكثر نفورا من فكرة الضرائب وإن كانت بسيطة.
وأيضا بسبب نجاح خصوم تحرير الشام في التأليب ضدها يقابله عجز إعلامي في تحرير الشام، فليس كل أسباب فشل تحرير الشام في تكوين ثقة اجتماعية بها يقع عليها
بل هناك زخم إعلامي ضدها، وهذا ما ساهم في تكوين فكرة لدى المجتمع الثوري بأن تحرير الشام تعمل ضد الثورة ومصالحها، وهو ما ساعد على ترسيخ كل الأفكار التي تتـ.ـهم تحرير الشام بـ “خذلان الثورة ومحاربتها”.
ولم تستطع تحرير الشام تقديم نفسها للشارع الثوري على أنها “آخر من يحمي المناطق المحررة من بطش النظام”
وذلك بعد تقدم النظام سريعا وسيطرته على مناطق واسعة من أرياف إدلب وحلب، حيث وُجهت الاتهـ.ـامـ.ـات لتحرير الشام بالتقاعس عن محـ.ـاربة النظام، بل واتهـ.ـمـ.ـت بأنها سلمت تلك المناطق
وكذلك فشلت في تقديم الخدمات بأنواعها للحاضنة الثورية، ولم تستطع أن تقدم نفسها كمحـ.ـارب للفـ.ـساد، وحامٍ للفقير، وهي كثيرا ما تراهن على توفير الأمن النسبي في مناطقها، مقارنة بمناطق الفصائل الأخرى.
تحرير الشام تمكنت بفضل براغماتيتها من تجنب حـ.ـرب أميركية عليها، كما حدث مع تنظيم الدولة، فهي تمكنت من تقديم نفسها للعالم بأنها جماعة إسلامية ذات منطلق جاهدي لكنها معتدلة
ولا تتبنى الأفكار الجهـ.ـادية الأممية التي يقول عليها تنظيم القاعدة، وسلكت ذلك عملياً، فهي بالفعل لم تستهدف المصالح الغربية عموماً
واستقبلت الصحفيين الغربيين، وحـ.ـاربت خلايا تنظيم الدولة أكثر من الفصائل المصنفة على أنها معتدلة، كذلك كان خطابها الإعلامي متوازناً وركز في دعايته القتـ.ـالية على روسيا وإيران
ولم يتطرق خطابها إلى مهـ.ـاجمة الغرب ووصفه بأنه “صليبي”، وهي المصطلحات الجـ.ـهادية التي تستخدمها كافة الجماعات الجهـ.ـادية.
كذلك فإن تحرير الشام ضيقت على تنظيم القاعدة نفسه، واعتـ.ـقلت كثيراً من قادة تنظيم “حراس الدين” المنتمي للقاعدة، وشـ.ـنت تحرير الشام هجـ.ـوماً ممنهجاً على القاعدة من خلال صفحات مقربة منها
وتبرأت من المنظر الجهـ.ـادي الأبرز عصام البرقاوي المعروف باسم “أبو محمد المقدسي”؛ هذه كلها تعتبر خطوات عملية تجعل من تحرير الشام فصيلا معتدلا عمليا، وليس فقط إعلاميا.
لكن مع ذلك لم تستطع حتى الآن إزالة اسمها من قوائم الإرهـ.ـاب الدولية لا سيما الأميركية
التي كثيرا ما تذكر بأن تحرير الشام جماعة جهادية ويجب محاربة قادتها، فتحرير الشام وإن لم تنجح في إرضاء الخارج، لكنها على الأقل لم تغضبه.
وبمقارنة خطواتها العملية الدالة على الاعتدال وعدم شطب اسمها من قوائم الإرهـ.ـاب حتى من قبل تركيا؛ فيعتبر ذلك فشـ.ـلا سياسيا، لم تستطع تحرير الشام للآن تخطيه.
تطور العلاقة بين تحرير الشام وتركيا
بدأت العلاقة بين الطرفين كعلاقة تتسم بالحذر والعـ.ـدائية وتلتزم فيها تركيا بالقوانين والمعاهدات المتعلقة بمكافحة الإرهـ.ـاب
بينما تعارض الهيئة (جبـ.ـهة النصرة سابقاً) -التي تستوحي عقيدتها من تنظيم القاعدة- نظامَ تركيا العلماني والديمقراطي.
لكن الهيئة راجعت موقفها أمام الواقع العسكري على الأرض والتصعيد المُكلف لحـ.ـرب التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة
ودفعت الهـ.ـزائم التي لحقت بتنظيم الدولة، بالهيئة لتقديم تنازلات تعاقدية وعسكرية خوفاً من مواجـ.ـهة مصير مماثل.
وتحوَّلت العداوة بين الهيئة وتركيا إلى شكل من أشكال التنسيق بين الأقران، وقد كان هذا جلياً عندما سمحت الهيئة للدوريات التركية بدخول المناطق الخاضعة لسيطرتها وحماية نقاط المراقبة التركية في شمال سوريا على الرغم من الإعراب سابقاً عن رفضها لوجودهم.
وقد تطور هذا الوضع من خلال المصالح المشتركة بين الجانبين، إذ تحتاج الهيئة إلى غطاء سياسي على الصعيدين الإقليمي والدولي لحمايتها من الاستهداف كجماعة إرهـ.ـابية
في حين أن تركيا بحاجة إلى بناء علاقات مع جماعة مسـ.ـلحة ذات انضباط عسكري وتنظيمي قادرة على السيطرة على الأراضي ولا تخضع لأي قوة أجنبية.
بدورها ترى الهيئة أن تركيا توفر لها الشرعية والحماية في آنٍ معاً، وقد غيرت الهيئة العديد من سياساتها بناءً على طلب تركيا لتجنُّب تصنيفها كجماعة إرهـ.ـابية.
كما مكنها التحالف مع تركيا من تجنب الضـ.ـربات الجوية التي يقوم بها التحالف الدولي الذي يريد استهـ,ـداف العديد من قادتها.
ومن خلال تحالفها غير الرسمي مع تركيا، تمكنت الهيئة من الهيمنة على جميع الفصائل في إدلب بكُلفةٍ منخفضة، حيث حـ.ـاربت تلك الفصائل على مراحل
وقضمت سيطرتها رويدا رويدا، وهذا تكتيك سياسي عسكري، ساهم في نجاح تحرير الشام في أن تؤول الأمور إليها، واستطاعت أن تجعل تركيا تقف على الحياد
حيث كانت تلك الفصائل ترى في تركيا حليفا سينصرها في حال هاجـ.ـمتـ.ـها تحرير الشام، لكن ذلك لم يحدث، وهذا جعلها تعرف كيف تؤكل الكتف
الأمر الذي فشلت فيه الفصائل الأخرى، لأسباب ليس هنا مقام ذكرها، وبهذا تكون تحرير الشام قد كسبت الموقف التركي
وإن لم يكن معها بالمطلق فهو على الأقل لم يقف ضدها، وهذا بالمقاييس السياسية يحسب لبراغماتية تحرير الشام.
المصدر: تلفزيون سوريا