Site icon أوطان بوست

مأمون سيد عيسى يكتب لــ “أوطان بوست” مراجعات في الثورة السورية

أوطان بوست – رأي – د. مأمون سيد عيسى

ينقشع الضباب الذي يلف المشهد السوري رويدا وتبدو الساحة السورية بعد لقاء سوتشي الأخير وقد ازدادت في تفاصيلها مساحة الهيمنة الروسية, لم يتوقع السوريين الاحرار ان يجدوا قوات النظام وحلفاءه على الحدود التركية من جديد . اثار هذا القلق العميق حول تمدد اخر قادم للنظام في ادلب.

تبدوا الساحة السياسية في حراك سريع التغيرات على ايقاع  توافق روسي امريكي خفي في أعادة لهيكلة المنطقة مع شرعنة نظام الأسد ربما مع تغيير رأسه لاحقا.

في مراجعة الأحداث ودور الدول الفاعلة تبدو روسيا الرابح الأكبر فقد سنحت لها الفرصة  بالتدخل في الملف السوري مستفيدة من الفشل الأمريكي في معالجة النزاعات في المنطقة من أفغانستان الى العراق وحتى ليبيا.

يستنجد الأسد بالروس بعد  فشل ايران وميليشياتها في اخماد الثورة السورية ‘كانت فرصة الروس ان يقفزوا للواجهة بعد ان ازاحهم الغرب من الشرق الأوسط.

كان التدخل محاولة للروس في استعادة المبادرة على صعيد السياسة الدولية والعودة الى المنطقة التي تعتبر قلب العالم ومفترق الطرق ومنبع الثروات.

تدرج التدخل الروسي من الدعم السياسي ورفع الفيتو في مجلس الامن الى ارسال المستشارين والامنيين والسلاح والذخيرة ثم الى قيادة الاعمال العسكرية ليتم استخدام الطيران الروسي والصواريخ البالستية العابرة للقارات ليس كما يظن في حرب النجوم او حرب كونية بين الروس والامريكان بل في تدمير مدن بل قرى سورية تحوي بضع بيوت ولا تكاد ترى على الخرائط.

لم يهاجم الروس داعش وهي ذريعة التدخل بل عملوا على مهاجمة القرى والمدن الامنة لم يدمروا قواعدها بل دمروا البيوت و المشافي والمساجد وافران الخبز ،تمحورت سياستهم في تفكيك فصائل المعارضة من خلال جمع التهديد بالدمار الشامل او القبول باتفاقات وقف التصعيد واللعب على تناقضات الفصائل وشق صفوفها وترويضها بالوعود الكاذبة بحماية من يستسلم منها قبل ان تنقض عليها في مرحلة تالية.

تتساقط حلب ثم طوق الثوار حول دمشق الذ يتبعه سقوط ريف حمص الشمالي وحماة الجنوبي ثم درعا واخيرا خان شيخون دون ان نعرف ما بعدها. سال نهر من دم في تحرير تلك المناطق ,جرح عشرات الالاف من الثوار وحاضنتهم وخرج الملايين هائمين على وجوههم فلم يبقى نجم ليس تحته سوري لتعود تلك المناطق ونحن في حال الذهول الى حضن النظام القاتل.

في خضم تلك الاحداث يأتي السؤال لماذا وكيف ,هنا تبدو نظرية المؤامرة  الجواب السهل الذي يريح النفس من المراجعة والنقد.

لكن الرؤية الاشمل في المراجعات تفترض دراسة العاملين الذاتي والخارجي في فهم ما حصل.

في العامل الخارجي يبرز سؤال حول موقف الغرب والانكفاء الذي طبع سياسته حيث اكتفى بإدارة الأزمة وترك السوريين وحدهم في مواجهة الة القتل بشقيها الإيراني والروسي إضافة للجيش الذي تفرد عن جيوش العالم بتخصصه بقتل شعبه وليس محتلي أراضه منذ عقود.

لم يكن النأي الغربي بسبب تفوق الروس فالغرب اكثر قوة في العسكرة والاقتصاد والسياسة فدخل روسيا القومي لا يساوي اصغر ولاية أمريكية ولا كان  افتقارا للحنكة والتخطيط فلدى الغرب مراكز أبحاث تعرف كما قيل من هم خطباء المساجد في قرى ادلب لكن ذلك لأن الغرب ورأسه الولايات المتحدة نظروا للحرب في سوريا كحرب طائفية وحرب بين عصابات محلية وقرروا منذ البداية ان يكونوا خارجها ولا يتورطوا بها بان يكونوا بدون أي خيار سياسي او عسكري وان يتركوا مفتاح الحل في يد الروس لقد اكتفوا بعقوبات اقتصادية لم ولن تسقط النظام وبتصريحات عنترية ومساعدات اغاثية مقننة بحيث أصبحت الخيمة حلما للنازحين .

لقد خرجوا من الصراع قبل ان يبدئ واخفوا انسحابهم واستقالتهم الاخلاقية وراء حديث عن المعارضة  انقسامها وهشاشيتها وعدم كفاءتها فهم مزارعون وأطباء اسنان كما قال عنهم أوباما الذي أوقف العقوبات على ايران واطلق يدها في الشرق العربي كله مقابل الاتفاق الإيراني النووي مكملا مسيرة أل بوش في شتم ايران مع تمكينها من السيطرة على أربع دول عربية.

اختبأ الأمريكان خلف ما يسمى الحرب على الإرهاب ليتدخلوا في الوقت المناسب لتحقيق اهداف ظهر منها حرب ضروس على السنة هجرت خمس عشر مليون منهم من العراق وسوريا كذلك إقامة كيان تديريه عصابات من كرد ليسيطروا مؤخرا على منابع النفظ  في سوريا كما أوضح ترامب بدون مواربة.

 تغاضت الولايات المتحدة عن مايحث من غزو ديمغرافي شيعي لدمشق وريفها وجنوبها فهل كان ذلك ليتمكن شيعة إيران والمنطقة حماة من ان يكونوا حماة الحدود الجنوبية كحالهم في جنوب لبنان.

تقود اسرائيل السياسة الامريكية من خلف الستار لتنفذ استراتيجيتها ليس في اضعاف جيرانها من الدول بل بتدميرهم ان امكنها ذلك ، إنها  نظرية بن غوريون بان إسرائيل لن تكون قوية الا بجيران هزيلين، لتنضم سوريا الى سلسلة الدول التي تم اضعافها او تدميرها  العراق ولبنان والأردن ومصر بعد الانقلاب، ضمن سياسة عنصرية بدون اخلاق عملت من وراء الستار ساهمت في اكبر مجازر القرن بحق الشعوب وفي اكبر عملية  تغيير ديمغرافي هجرت ملايين السنة باعتبارهم الخطر الأكبر عليها .

يطول الحديث في دور دول الخليج الذي عمل على مخطط اسلمة الثورة السورية كي يتم نصب العداء لها إضافة لسياسة تفريق الفصائل وتكبيل قرارها واغراقها بالمال والسيطرة على خططها العسكرية والذي منع جيش الإسلام في غوطة دمشق من الاقتراب من العاصمة واسقاط النظام القاتل. كان من الطبيعي ان تعمل تلك الدول غير دولة قطر على افشال سيل الثورات القادم باتجاهها حاملا راية الديمقراطية والحرية المفقودة في تلك الدول.

اما الجار الحليف التركي فيبدو في الحاضر مرهقا من حرب خفية يشترك بها الروس والأمريكان لأسقاط الدولة السنية الأقوى في المنطقة وتمزيقها متعاونين مع الدولة العميقة من بقايا فتح الله غولن ذراع الماسونية العالمية و الذين كادوا ان يحققوا هدفهم لو نجح انقلاب عام 2016 .

حاول الحليف التركي مع بداية المظاهرات الا ينفتح هذا الجرح على حدوده فشجع النظام على الإصلاح والتغيير وكان لدى الأتراك امل و توقع ان يحدث الأسد تلك التغييرات ,ربما يبرر هذا تردد الاتراك في اتخاذ أي إجراءات سياسية  بعد ان تفاقمت الازمة وتزايد النازحين والشهداء على الرغم من اعلان الرئيس اردوغان انه لن يسمح بحماة ثانية وربما يفسر الانتظار هذا  حرص القيادة التركية على وضع الضباط المنشقين والجنود في مخيمات مغلقة بدل تعزيز قوة المعارضة المسلحة وتكوين جيش حر قوي لكنهم بنفس الوقت عملوا على تسهيل عمل المعارضة السياسية وتسهيل العمل الاغاثي مع احتواءهم ملايين النازحين الهاربين من الموت ومساعدتهم وهذا ادى لفتح جبهات داخلية ضد القيادة التركية من قبل المعارضة التي حاولت ولم تزل إزاحة حزب العدالة.

فيما بعد لم تتدخل تركيا في الصراع بشكل جدي ومارست غض النظر عن عبور السلاح للفصائل  بعد التفاهم مع دول الخليج والاتفاق مع واشنطن ذلك في إطار العقوبات الدولية ضمن غرفة الموم وكذلك فعل الأردن في غرفة الموك.بعدها توقف امداد السلاح لفصائل المعارضة بأوامر ترامب وكأن الحرب على الشعب السوري انتهت.

أخطأ الاتراك في تقدير الموقف السياسي وفي خياراتهم الاستراتيجية واضطروا لدفع اثمان غالية من امنهم الوطني وازدهارهم الاقتصادي واهم تلك الأخطاء اعتقادهم بان نظام الأسد لن يقاوم طويلا وكذلك استهانتهم بمخاطر القوى الجهادية ويبدو ان التعامل مع هذا الملف الشائك تم بتنسيق غربي.

خدعت الخيارات الامريكية التي ظهرت داعمة للثورة السورية في بدايتها متخلية عنها لاحقا القيادة التركية قبل ان يكتشفوا خواء هذه الخيارات ويشعروا بالخديعة ويضطروا الى تغيير تحالفاتهم وتعزيز تحالفهم الاقتصادي مع ايران والتقرب الى روسيا لإنقاذ ما تبقى من رهاناتهم

أخيرا بما يتعلق بعملية نبع السلام فمن الواضح وجود مستويين للأحداث اعلامي يحوي تفاعلات وحروب وانسحابات ومستوى خفي مضمونه تفاهمات روسية أمريكية تركية حول كل ما يحدث . لكن ما يهمنا في الحاضر الا تكون تلك التفاهمات قد جرت على حساب الثورة السورية ومطالب السوريين الأحرار وستحمل لنا الشهور القادمة من الوقائع والاحداث الشيء الكثير.

بقلم: مأمون سيد عيسى 27-10-2019

Exit mobile version