Site icon أوطان بوست

إدلب السانتافية والخبز… رأي مأمون سيد عيسى

الكاتب السياسي د. مأمون سيد عيسى / أوطان بوست

أوطان بوست – رأي – د.مأمون سيد عيسى – كاتب سياسي

كانت زيارة عبد الناصر لإدلب عام ثمانية وخمسين نقطة تحول في حياة تلك المدينة الهادئة شمال سوريا والتي انفصلت عن حلب بعدما استجاب عبد الناصر لطلب وفد منها الاستقلال عن حلب .يأتي حكم البعث بعد حين من الانفصال لتبدئ حقبة جديدة يطبعها التوتر بل العداء بين ذلك الحكم ومدينة ادلب وريفها ,يبدو ذلك انعكاسا لصراع الناصرية والتيارات الإسلامية الناشطة في حقبة الستينات مع البعث لكن العداء يتفعل اكثر بعد الاستقبال الحافل للأسد بوابلٍ الأحذية  في ساحة هنانو وسط ادلب  بدايات حكمه, تأتي احداث الثمانينات لاحقا وتكرس تلك العلاقة المتوترة فيحكم الأسد الأب ومن ثم ابنه بعدها على المدينة بالعزلة والتهميش ,تمنع الطرق الرئيسية من المرور قرب إدلب وتحرم المدينة من التنمية وما يلوذ بها من نشاط اقتصادي وعمراني ,تعيش ادلب بعدها منزوية معزولة عن العالم رغم موقعها الاستراتيجي..

يبدو التهميش والفقر والبطالة أسبابا مهمة لالتحاق محافظة ادلب مبكرا بركب الثورة السورية لكن الاهم هو توق الشعب للحرية والكرامة المفقودة، تدخل بعدها ادلب في واجهة الاحداث في مظاهراتها الراقية التي حمل متظاهروها اغصان الزيتون وهم يهتفون للحرية المفقودة ليرد النظام عليهم بالاعتقال والقتل والتنكيل.

سنوات أربع تتحرر مدينة ادلب واريافها كاملة من نير الأسد. تتفق فصائل جيش الفتح التي حررت ادلب على ادارتها بالتناوب لكن إدارة جيش الفتح تتفكك بعد انسحاب جند الأقصى منه لتعلن هيئة تحرير الشام لاحقا المجلس التأسيسي الذي افضى لحكومة الإنقاذ.

أربع سنين ونيف مرت على حكم الفصائل تبدو مدينة ادلب حاليا نموذجا صارخا عن التحوّلات الكبيرة للمجتمعات تحت نير الحرب وغياب المؤسسات في تجربة غير ناجحة لحكم الفصائل الاسلامية ربما أساءت للمشروع الإسلامي السياسي برمته.

في محاولة لدراسة بنية المدينة بما يخص الحالة الاجتماعية والديمغرافية والاقتصادية نلاحظ تحولات مهمة أصابت تلك المدينة وحولتها من مدينة معزولة قل إن تجد غريبا يجول شوارعها الى مدينة مكتظة بما يقارب ثلاثمائة الف من سكانها والضيوف. أصبحت ادلب ملجأ ومسكنا لمزيج من كتل سكانية عديدة نزحت اليها نتيجة سياسة الأبن الضال في التهجير القسري تحولت ادلب من مدينة منسية الى مدينة تذكر في خطب رؤساء دول كبرى ولايغيب اسمها عن وكالات الانباء.

يشكل النازحون القادمون الى ادلب حراكا تجاريا واضحا في المدينة تبدى في نشاط اقتصادي من النمط الاستهلاكي تراه في مطاعم جديدة ومحلات بنكهات وأسماء المدن التي قدموا منها ليعيشوا حياة يطبعها  الانسجام مع ما بقي من اهل المدينة بعد نزوح الكثير منهم ابان اقتحام جيش النظام لها ,انها اخوة الثورة والدم  .

يلاحظ المراقب تحولات كبيرة في التركيبة الطبقية والاجتماعية للمدينة حيث نلاحظ تأكلا في بنية الطبقة الوسطى التي كانت تشكل اغلب سكان المدينة و تنامي الطبقة الفقيرة التي أضحت تشكل معظم سكانها بالترافق مع ظهور طبقة ثرية جديدة تبدى وجودها في ظواهر عديدة منها تنامي المسابح ومطاعم الخمس نجوم والتكاثر السريع لمحلات الصرافة، اضافة الى الكم الكبير من سيارات السانتافية ذات الدفع الرباعي التي تظن عندما ترى انتشارها في المدينة والريف ان مصنعها انتقل لإدلب.

اتجول في اسواق المدينة اتلمس نبض الشارع وهمومه،واضح ان المعيشة واعباءها هي الحديث الشاغل للشارع ربما مع تجاوز للهم الوطني والسياسي .

تشعر بذلك بعد ثوان من بداية اي حديث، يبادرك محدثوك بالحديث عن ضيق العيش والغلاء والبطالة والفقر المستشري كالهشيم في مجتمع ادلب ان كان بين سكانها ام الضيوف.

يكلمك الناس عن ارتفاع المحروقات وموجة الغلاء التي تبعتها، شملت العناصر اللازمة للحياة يقولوا لك ,يبدو رغيف الخبز الهم الاكبر لدى الناس مع ارتفاع سعره ومع دخول الشتاء وبرده القارس تبدو مشكلة التدفئة كذلك مع وصول الليتر من المازوت الى عتبة الخمسمائة ليرة وارتفاع في اسعار الحطب والكهرباء وزيادة فترة انقطاع المياه.

 ينعكس ارتفاع الوقود ارتفاعا في اسعار الكثير من المواد والخدمات،يشكل هذا عبئا ثقيلا على كاهل الجميع سكانا وضيوف, تنتشر البطالة والركود ,يجثم الفقر على صدور الغالبية في ظل شح فرص العمل وانعدام للاستثمار ربما سبب ذلك الحرب والقصف وعدم وجود سلطة سياسية تمنح مناطق المعارضة صفة الاستقرار.

 يفاقم سوء الوضع هذا الحالة المتردية لقطاع الزراعة وارتفاع أجور العقارات نتيجة الطلب الكبير والعرض القليل مع جمود في حركة البناء لارتفاع أسعار مواده لكن السبب الأهم خشية من يبني من براميل وصواريخ النظام.

تبدو الحرب الدائرة منذ سنوات وقصف النظام الوحشي لريفها وأحيانا للمدينة إضافة الى سيطرة الفصائل على مفاصل المحافظة الأسباب الرئيسية لما سبق .لا يبدوا أي افق في تدخل حكومة الإنقاذ إيجابيا في هذا الوضع، تحولت تلك الحكومة الى جابي للضرائب مدعومة من الفصيل المسيطر ,لم يكون لها من اسمها نصيب.

مع غروب شمس اليوم ينام الجميع في ادلب باكرا وهم يحلمون بالمستقبل الغامض وتغرق المدينة في الظلام الدامس دون اضاءة لشوارعها الحزينة ,يجعلك هذا تعيش اجواء غابات الامازون دون ان تغادر ادلب.

بقلم: مأمون سيد عيسى 13-11-2019

Exit mobile version