رأي

الأب الملعون وخوف السوريين السياسي – الأمني

عن “الأب الملعون” وخوف السوريين السياسي-الأمني

أوطان بوست – رأي – وكالات

أضافت الثورة السورية لقباً جديداً لحافظ الأسد هو “ملعون الروح”، وهو لقب حمل في دلالاته ثورة على رمزيته وإرثه السياسي القمعي.

رغم البؤس والنكوص والتقهقر والأهوال والمظالم التي حدثت في سوريا أثناء العهد الأسدي، ثمة مَن يتذكر أيام حكم حافظ الأسد أو حكم ابنه قبل الثورة بحسرة

معتبراً أنها فترة “آمنة” كان السوريون ينعمون فيها بعيش هانئ، لا شيء يعكّر صفوه، فترة سلم واستقرار خالية من الصـ.ـراعات

الأب الملعون وخوف السوريين السياسي – الأمني

لم يعرف الناس فيها الخـ.ـوف على أنفسهم أو مستقبلهم، إلا أن هذا الطرح سياسي سلطوي بامتياز.

إذا وضعنا التأويل السياسي له جانباً، نستطيع أن نقول: إننا نعلم منذ “أجدادنا الإغريق” أن الصراع “أبٌ ومَلِكٌ على جميع الأشياء”

وأن عالماً سكونيّاً يعيش في هدأة وسلام هو أمر شبه مستحيل أو غير قابل للتحقق.

العالم في صيرورة مستمرة، “نار مشتعلة حية للأبد” على حد تعبير هيراقليطس في إحدى الترجمات العربية.

أينما ولّينا وجوهنا ثمة حركة ونزاع، خطر وخوف وريبة. كيف نستطيع والحال هذا أن نعيش في أمن وسلام، خصوصاً إذا كان العيش أثناء فترة حكم كالحكم الأسدي؟

نحن كائنات هلوعة

نحن في المقام الأول كائنات “هلوعة”، يُعتبر الخـ.ـوف واحداً من إمكاناتنا الوجدانية، نستطيع أن ندرس بنيته وأن نعاين طابعه التهـ.ـديدي

لكننا لا نستطيع أن نقضي عليه بشكل نهائي، إلا أن ما يهمنا هنا ليس الخـ.ـوف الذي ينتابنا بوصفنا كائنات “موجودة في العالم”

بل يهمنا ضـ.ـرب مخصوص من ضروب الخـ.ـوف هو “الخـ.ـوف السياسي الأمني” الذي تزرعه وتعتاش عليه الدولة الأمنية.

السلطات السياسية الأمنية هي علة هذا الخوف، شغلها الشاغل في سوريا، على سبيل المثال والتحديد، تهـ.ـديد وتحذير ونفي وسلب وإعدام الكيان الإنساني الحر، ذلك الذي يفكر ويفعل ما يخالفها.

همها مسألة بقائها بالدرجة الأولى، لذلك تسعى إلى تحويل الإنسان السوري (الإنسان وليس المواطن، إذ لا وجود لمواطنة في ظل البعث) إلى كائن لا سياسي، أو حجب حقوقه عنه، وخاصة السياسية منها.

لا تكمن خطورة هذه السلطات بما تدفعنا إلى قوله أو فعله فحسب، بل بما تجبرنا على عدم قوله أو فعله أيضاً.

ومن المعلوم أن التخويف أداة سياسية أمنية بالغة القوة. هو فعل ذو غائية قابلة للاستخدام السياسي، نجحت الدولة الأمنية في استثماره إلى أبعد الحدود

ويقوم بتوجيه وتحديد السلوك، أي يتضمن بالإضافة إلى بعده التدميري بعداً إنجازيّاً.

سيتذكر السوريون دائماً قدرة الدولة الأمنية على استخدام التخويف، وكيف قام حافظ الأسد بتأسيس عائلة تَعتبر سوريا ملكاً شخصياً لها ولحواشيها.

وإذا تأوّلنا الحياة السياسية في سوريا بوصفها مشهداً عائلياً منذ استيلاء الأسد الأب على الحكم، سيكون هو الأب ذي الألقاب الكثيرة والصورة المُخافة، والدولة الأمنية هي الزوجة التي تنجب له ولنظامه وحزبه “الأبناء الشرعيين”.

والأبناء في هذا المشهد هم جميع السوريين الذين عاشوا فترة حكمه أو حكم ابنه.

يكفي أن تدرسوا يوماً واحداً في مدارس البعث أو تدخلوا أي مؤسسة من مؤسسات الدولة حتى تتعرّضوا لمحاولة تنصيب حافظ الأسد كأب.

لسنا أمام بنوّة مختارة أو اختيارية، ولا أبوة كريمة يُحسد عليها الأبناء، هي أبوة قائمة على تخويف الناس أمنياً وسياسياً.

صورة حافظ الأسد أو مكانته أو رمزيته كـ”سيد الوطن/ الأب/ القائد/ الأمين/ الخالد” غير قابلة للمساس عند النظام، هي صورة محاطة بهالة من التقديس.

زرع الخـ.ـوف

مَن من السوريين يستطيع أن ينسى الخوف المرافق لمهازل “تجديد البيعة” أو الشعارات البعثية التي حُفرت في الأدمغة

أو مادة “القومية” التي تؤرخ لعهد “البعث المجيد” وتعرض فكر “القائد المفدّى”؟

المصدر: مقال رأي للكاتب هشام حميدان منشور على الإنترنت

مقالات ذات صلة