حتى في حربهم يحيون حضارتهم .. مهندس سوري يُحَوٌل كهفاً مهجوراً يعود للعصر الروماني إلى متحف أثري في إدلب !
أوطان بوست – فريق التحرير
سوريا أم الحضارات .. لم يخطئ المؤرخون بإطلاق هذا اللقب عليها، لأنها أماً للحضارات باهتمام أبنائها، ومحافظتهم على كل رمز من رموز حضاراتهم القديمة.
إلا أن التاريخ اليوم يوثق انتهاكات عائلة الأسد للحضارة السورية، فقد نهبوا منها ما استطاعوا، ودمروا منها ما أمكن ببطشهم، إلا أن بعضاً منها رافقت اللاجئين في رحلة نزوحهم ولا زالت.
الحضارة برفقة مهندس سوري
المهندس السوري “عبدالمعطي سعيد”، من مواليد ريف حلب الغربي عام 1970, حوٌَل كهفاً مهجوراً إلى متحفاً أثرياً، في قرية عقربات بريف إدلب شمالي سوريا.
وقال سعيد لموقع “أوطان بوست”: عندما كنت في منزلي بريف حلب، كنت أحتفظ بعدد كبير من القطع الأثرية، وقمت بنحت “كراسي” على الطرق القديمة.
وأضاف المهندس: عندما هاجمت ميليشيا أسد المنطقة، قررت اللجوء إلى المناطق الحدودية، برفقة عائلتي وتلك القطع الأثرية، التي اعتبرها جزءاً مني.
وأشار سعيد إلى أنه قرر أن يسكن في كهفٍ مهجور، بالقرب من إحدى المخيمات على الحدود السورية التركية، وحبه للحضارات القديمة، هو السبب باختياره للكهف كمكان للسكن.
وأوضح المهندس أنه قام بحفر الكهف وترثيبه، وبذل جهداً كبيراً أثناء العمل فيه، فقد استغرق أكثر من 45 يوماً، حتى تمكن من إتمام عملية الحفر والترثيب.
ولفت إلى أنه أقدم على تحويله إلى متحفاً للتراث الشرقي، معتمداً على ذلك بخبرته في مجال الديكور، وخبرته الجيدة في الإرث الفني الذي يجسد الحضارات القديمة.
ونوه سعيد إلى أن كل الأشياء الموجودة داخل الكهف، لها رمزاً خاصاً ودلالة حضارية، استخدمها الإنسان القديم في مجالاتٍ متنوعة.
وبيٌَن المهندس أنه يحتفظ بالكثير من الرموز والقطع الأثرية، ويعمل على ابتكار قطعاً فنية، وآخر أعماله كانت ابتكار “الفانوس الخزفي”، والذي يستَخدَم للسير في الظلام.
وتابع سعيد: يحتوي الكهف على أنقاضٍ أثرية تعود إلى العصر الروماني، كالشروخ الصخرية والأخاديد والأفاريز والصواعد الجدارية.
إضافةً لوجود نوازل جدارية وصواعد سقفية وأشجار متحجرة، وكلاً منها يعتبر رمزاً حضارياً لسوريا، ويجب المحافظة عليها وحمايتها.
واختتم المهندس حديثه داعياً إلى ضرورة تدريس تلك العلوم بشكل حضاريٍ وأكاديمي، بحيث يكون لها كلياتٍ ومعاهدٍ خاصة، وجهاتٍ داعمة ومحفزة لها.
الأسد ونهب الآثار
لم يكن نهب الآثار الحضارية السورية بجديد على عائلة الأسد ومقربيها، ولا يرتبط بعهد الثورة والحرب، إنما يعود ذلك لعقودٍ طويلة.
حيث شهد النظام حالة تسابقٍ وتنافسٍ بين ضباط أمنه الكبار، وآل الأسد ومخلوف وشاليش، ورفعت الأسد، للسيطرة على مقدّرات البلاد الأثرية، مما جعلها أحد أسباب ثروتهم.
ولعل من أبرز سرقاتهم للآثار هي توقيف مزاد بيع النصب الآشوري بمبلغ مليون دولار، في مركز بورهنس بلندن، الذي تمت سرقته وتهريبه عام 2000، أي فترة سيطرة بشار الأسد على الحكم.
وفي زمن الحرب، زادت الأطماع بتنوع الميليشيات الحليفة للأسد، كميليشيا حزب الله اللبناني وميليشيا إيران والعراق وروسيا وغيرها.
آثار تدمر
ولعلٌَ أبرز ماتم نهبه في ظل الحرب، آثار تدمر الشهيرة، والتي تُعتبر رمزاً حضارياً للسوريين، وتحتوي على عدداً كبيراً من المدافن والقطع القديمة.
لكن تلك الآثار الشهيرة وصلت إلى إسرائيل، وقد تم عرض قطع أثرية منها في متحف تل أبيب، حيث نهبتها ميليشيا حزب الله وباعتها للإسرائيليين.
وشاركت ميليشيا إيران إلى جانب خزب الله في نهب آثار تدمر، من خلال توليها مهمة حفر المدافن الموجودة في تدمر، بمساعدة مختصين من نظام الأسد.
آثار درعا
تحتوي محافظة درعا جنوبي سوريا، على نحو 378 موقعاً أثرياً، تعود إلى ما قبل التاريخ المكتوب، وصولاً إلى فترة الحضارة الإسلامية.
إلا أن ما وثقته دوائر الأسد الأثرية وبشكل رسمي 128 موقعاً فقط، أما ما تبقى منها والبالغ عددها أكثر من 250 موقعاً، لم يتم توثيقهم، بل الحقيقة أن صفقة بيعهم قد تمت.
لم تقتصر عمليات النهب للمعالم الأثرية، على آثار تدمر ودرعا فقط، بل هناك الكثير من المواقع التي نهبها الأسد ودمر بعضها.
فقد فتك في الكثير منها، كقلعة حلب التي قصفها وتسبب بتدمير جزءاً كبيراً منها، حيث تعود إلى القرن الثالث عشر، فضلاً عن أنها مدرجة في لائحة التراث العالمي لدى اليونسكو.