أوطان بوست – رأي – أسامة عثمان
ما وظيفة الدولة، أيُّ دولة؟ وما أهميَّتُها، في حال كانت لا تؤدِّي وظيفتها المفترضة؟
أسئلةٌ من هذا القبيل اتَّسعت لها آفاقُ البحث في الفكر السياسي، وليس هنا المجال للتوسُّع النظري فيها، ولكن المجتمعات الإنسانية، وقد خلصت إلى ضرورة الدولة، فعليًّا، وعمليًّا، مِن حقِّها، ومن حقِّ أبنائها أن يجدوا هذه الدول- بوصفها أجهزة التنفيذ الأهم، بما تحتكره من سلطة عليا، وبما ائتُمنت عليه من مُقّدَّرات الأوطان والشعوب- عند ظنّهم، وتوقُّعاتهم، ولا سيما وقت الأزمات والمحن التي لا يقوى الأفراد على مواجهتها.
للأسف، لا نجد هذه التوقُّعات التي تَفترض المسؤولية الوطنية، حتى لا نقول الإنسانية، أو الأخلاقية مُحقَّقة، وإنما جلُّ الساسة ماضون على تلك الروحية الاستئثاريَّة، على الرغم من خطورة الأوضاع الصحية لمواطنيهم، ولذلك تتقدَّم لدى الحكام اعتبارات السلطة على مصالح الناس الحيوية.
نجد هذا في كثير من الدول؛ من غربية متقدِّمة، إلى العربية المأزومة، مع فارق لا يستهان به، وهو في مساحة الاستفراد بالقرار، أو الاستبداد، ففي أمريكا حاول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب التعاطي مع وباء كورونا، ظاهريًّا، بما يتطلَّبه الوضع الصحي، مع أنه في البدايات أظهر تهاونًا بأخطاره، ربما تسبَّب، مع عوامل أخرى، في تفاقُم الوباء، حتى قاربت الولايات المتحدة خطورة الحالة الإيطالية، ثم ها هو بعد فترة من التعاطي الصحّي يحاول تجاوزه، إلى الاعتبارات الاقتصادية، حتى قبل أن ينجح الباحثون والأطِّباء في الوصول إلى علاج يحدُّ من فتكه بأرواح الأمريكيين، ومع أهمية الاقتصاد للبلد والأمة، إلا أنه لا ينفكّ عن الإنسان المنتج؛ أن يكون آمنًا، أو على الأقل أن يكون معافى.
اقرأ أيضاً: في ساعة الأمل .. د. عبدالكريم بكار
وفي إسرائيل، دولة الاحتلال، يصرّ رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو على استغلال كلّ ظرف في تثبيت مركزه المتأرجح؛ نتيجة ملاحقته، قضائيًّا، بتُهَم فسادٍ ورِشًا، وخيانة الأمانة، حتى لو كان الظرف خطيرا، ومُهدِّدًا لكيان دولته، ولا سيما بعد سرعة تفشّي الوباء، حتى وصلت الإصابات، إلى وقت كتابة هذه السطور، إلى 2030، بينهم 37 بحالة صعبة، ووفاة خمسة أشخاص، وبتسجيل 140 إصابة جديدة في يوم واحد.
وبالطبع، البَوْن كبير، بين أمريكا وإسرائيل، من حيث رسوخ المؤسسات دستوريًّا، ومن حيث وضوح الحدود الدستورية، ومن حيث استقرار الحياة السياسية؛ لذلك أمام نتنياهو هامش أوسع للتلاعُب والاستغلال، وفي هذا السياق زادت التحذيرات من نتائج هذه الأزمة التي تعاني منها إسرائيل، بعد تكرارها الانتخابات في سنة واحدة ثلاث مرَّات، ومنها ما قاله رئيس الدولة رؤوف ريفلين: “الانتخابات تُشكّل دائما نقطة لعدم الاستقرار، الذي يهدِّد بزعزعة التكافل الاجتماعي، الذي هو أساس دولتنا الديمقراطية.” وتعليقًا على مساعي نتنياهو استغلال أزمة كورونا لإطالة أمد حكومته الانتقالية، والتهرُّب، بالتالي، من الملاحقة القضائية، كتب غيرشوم غورمبرغ، مؤلّف كتاب” تآكُل إسرائيل”*، وهو عن ” أزمة الديمقراطية الإسرائيلية”: ” أنّ الوفاة الوحيدة المسجَّلة، حتى الآن، في إسرائيل من هذا الفيروس كانت الديمقراطية المتقادمة”.
ولا يخفى ما لهذه الأزمات السياسية، والاعتبارات الضيّقة للسياسيين، من مؤشِّرات أخلاقية وإنسانية، سواء في المثال الأمريكي، حيث أولويات ترامب نحو الشركات الضخمة، والإنتاج الاقتصادي، دون مراعاة ضرورية للإنسان وصحّته المُهَدَّدة جِديًّا، أو في المثال الإسرائيلي الاحتلالي، حيث الاعتبارات الشخصية لنتنياهو؛ فإذا كانت هذه هي حالة هاذين الرئيسين تجاه شعبيهما؛ فكيف ستكون نظرة كلٍّ منهما للشعوب الأخرى المظلومة في العالم؟! ويمكن أن نستذكرهما، وقد اتَّحَدَّا على التجاهُل التام، والمستفزّ للحقوق العربية والفلسطينية، في فلسطين والقدس !
أما حالة حكَّام عرب فلا تحتاج إلى كبير إطالة؛ لأن أزماتٍ أقل مستوى من أزمة كورونا أظهرت هشاشة البناء، في الدولة ومؤسساتها، الصحية، وسواها. ولعل أهمّ مؤشِّر على خطورة الأوضاع عربيًّا، تكمن في انعدام، أو ضآلة ثقة شعوب عربية في أداء حُكّامهم، إذ بقيت دول تتأخَّر في الإعلان عن حالات الإصابة بفيروس كورونا، ولا تتخذ الإجراءات التي تستطيعها، وهي ترى تفشِّي الوباء في دول مجاورة، أو محيطة بها!
اقرأ أيضاً: محمد الحموي كيلاني يكتب لــ “أوطان بوست” لا فسحة للضوء في أزقَّة الأُمم الضيقة
وأخيرًا، فالدولة، على ما تنطوي عليه، من تقييد لحرية الأفراد، تبقى ضرورة، ولكن المسؤولين فيها، حين يسيئون استخدام السلطة تصبح جزءا من المشكلة أكثر ممَّا هي جزءٌ من الحل، ولكن الدولة التي تتوفَّر على آليَّات المحاسبة والمساءلة تحدّ من استبداد الحاكم، وتحيّزاته الذاتية؛ فهل يفهم حكامٌ عرب أنَّ بقاءهم مرهون باضطلاعهم بالوظائف والمسؤوليات التي أُنيطت بهم؟
الكتاب بالإنجليزية : “Unmaking of Israel”*
خاص أوطان بوست
بقلم: د. أسامة عثمان