البعث والولادة من الخاصرة
خاص أوطان بوست – الكاتب السياسي د. مأمون سيد عيسى 7-12-2020
عند المساء نتابع دراما الولادة من الخاصرة وهي تمزق الجروح القديمة، نتذكر المخاض الذي جاء بالثورة المباركة ,كانت ولادة صعبة لكن جدي دائما ما يقول لي العبرة بالنهايات القادمة بالفرح والحرية.
استطاعت رشا شربجي مقاربة البيئة السورية وهي تصور الجزء الأول من الدراما الرائعة في لبنان كانت الدراما خروجا عن الخط الذي يرسمه النظام للدراما بعيدا عن الواقع.
حيث امامك خيارات باب الحارة ومسلسلات الغرام او الفنتازيا و روايات النظام، تحاول الدراما مقاربة ثلاثي العنف والتفاوت الطبقي والاستبداد في العاصمة دمشق ومحيطها.
تبدو دمشق مدينتين للسطح واحدة وأخرى للقاع، فللأولى الشوارع العريضة والحدائق الغناء وقصور رجال السلطة ونوادي النخبة وللأخرى العشوائيات وبيوت البلوك والأزقة وطنابر المازوت ومياه الصرف الصحي تجول في الأزقة.
تحيط العشوائيات بدمشق كالسوار، تراكمت عبر سنين، جاء سكانها المهمشين من كل صوب يحملون اضغاث أحلام في حياة أفضل. كان منهم عناصر للأمن وعساكر وعمال
حرم النظام الداخل من التنمية لم يستثن حتى مناطق حاضنته، يخطط منذ عقود ان يكونوا حطبا يحترق كي يعيش القائد ويحافظ على العرش.
خمسون عاما ونيف مضى على منطلقات البعث الطوباوية، وعدت السوريين بالمدينة الفاضلة، قالت لهم بأن -التفاوت الطبقي سيزول وان الحياة ستكون في ظل نظام اجتماعي عادل لا فضل فيه لمواطن عن آخر سوى كفاءة الفكر ومهارة اليد.
لكنا وجدنا حياتهم حـ.ـرب طاحنة من اجل اللقمة وبدل النظام الموعود وجدنا منظومة امنية مافيوية حلال لها كل شيء حتى فتح معتقلات خاصة.
يداهمنا الأسى ونحن نتابع حياة المهمشين في تلك العشوائيات حول دمشق، نراقبهم وهم غرقى في بحر من الازمات والمعاناة ترافقهم
حتى نزول القبر يسلكوا في سبيل العيش مسالك جد صعبة من بيع الأعضاء الى السـ.ـرقة والدعـ.ـارة وحتى التجارة بالمخـ.ـدرات في تسانومي لا أخلاقية تتجاوز كل القيم السائدة.
في المقاربة نتابع المشهد، قدوم الشرطة ومعها البلدوزر تهدم اشباه البيوت، يطبق القانون على الضعيف.
لا يسأل صاحب القرار عن مصير ساكنيها الذين القاهم في الشارع، يحدق أحد شخوص الدراما في جدران بيته وهي تتساقط
يبكي بانكسار ثم ينتفض قائلا الى متى الصمت متى ستخرجون الخوف من داخلكم وفي مشهد أخر يقول اذا ما كبرت لن تصغر يتابع نحن خلقنا الله احرار لسنا بالعبيد .
نتساءل هل الصرخة تلك كانت نبوءة عن ثورة قادمة
سنوات من حكم العائلة ولد الكثيرون انضموا الى جوقة العبيد في مملكة القهر والخوف.
كانت تعليمات الأباء والأجداد الاستشهاد المضلل بآية التهلكة-لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة -عليكم الرضوخ للحكام الظالمين.
بعد سنوات نزل السوريون الى الشوارع، صرخوا كفى، كان الرصاص بانتظار صدورهم لكنهم أكملوا الطريق كان الشهيد يحمل الشهيد.
يحاول المسلسل مقاربة المشهد السوري يذكرك ضابط الامن في أحد المشاهد بما فعل عاطف نجيب في درعا
فيقول لعناصره عن المعتصمين هؤلاء حشرات ليقوم بحشرهم في ميكرو باص بعد ان تغطى رؤوسهم بقمصانهم.
يذكرك هذا بمشهد شاهدناه لمعتقلي الثورة ويذكرك مشهدا أخر بمظاهرة الحريقة الأولى, يأتي الوزير ليهدئ الناس المعتصمين تضامنا مع شاب يهدد بشنق نفسه
يقول لهم: إن طلباتهم ستستجاب, المهم ان يفرطوا عقد الجمع، لكنه جاء متأخرا فالشرارة قد انطلقت بعد تسع سنوات يبدوا السير في ذاك الطريق صعبا كالحفر في جلمود الصخر
تساقط الكثيرون في مارثون الشهداء ولاتزال التغريبة مستمرة ,تناثر السوريون, اصبح كل واحد تحت نجم ,ُبنيت فروع للمـ.ـوت بدل المدارس
امتدت المقابر حتى طالت الأفق البعيد ,دكت طائرات الأسد القرى والمدن, خرج أهلها نحو الشمال هائمين على الوجوه ,انتقل الحلم من طلب الحرية الى مجرد خيمة او غرفة في بناء مهجور.
عند المساء نتابع المشهد يتوزع السوريون في مناطق الأسد طوابير للخبز وأخرى للغاز والبنزين تذكرت وعدا اخر لمنظري البعث في منطلقاتهم حين قالوا-سنعيد النظر في الثروات لتوزع بين المواطنين توزيعا” عادل.
غروب الشمس يأوي السوريون الى الفراش متعبين، لتبدأ في الصباح معركتهم من جديد.
خاص أوطان بوست – الكاتب السياسي د. مأمون سيد عيسى 7-12-2020
