السوريون والمصريون يعرفونه.. من هو بطل ومهندس حـ.ـرب أكتوبر الذي عزله السادات وسجنه مبارك وكرّمته الثورة؟

القاهرة (مصر)
العقل المدبر ومهندس وبطل “حـ ـرب أكتوبر”، وقاهر خط الدفاع الإسرائيلي الأسطوري “بارليف”، وصاحب خطة العبور كاملة، وأكثر رجل مظلوم في الجمهورية العربية المصرية.
بهذه الكلمات يصفه كل الذين عرفوه عن قرب، خلال حياته العسكرية، مصريون كانوا أم سوريين، حيث يقال عنه، بأنه فعل ما يمكن تسميته بأكثر من المستحيل في حرب أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، بداية بالتخطيط للمعـ ـركة، وصولاً لتحقيق الانتصار.
احترف الفنون العسكرية التي لم يعرف سواها في حياته، وحقق العديد من الإنجازات البطولية في الحـ ـروب التي شهدها، لكنه وكغيره من الأبطال في عالمنا العربي، رحل عن هذه الدنيا، دون أن يحظى بالتكريم الذي يناسب حجم التضحـ ـيات التي قدمها.
البطل “سعد الدين الشاذلي” الذي ولد عام 1922، بمحافظة الغربية، قرب دلتا النيل، وينحدر من أسرة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، انتسب إلى الكلية الحربية وتخرج منها عام 1940، برتبة ملازم في كتائب المشاة.
الشاذلي وجمال عبد الناصر
بدأت علاقة “الشاذلي” بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، عندما سكن بجواره في نفس العمارة، أثناء مشاركة الشاذلي في حـ ـرب فلسطين 1948، فضلاً عن قيامهما بالتدريس في “مدرسة الشؤون الإدارية”.
في تلك الفترة حدثه “عبد الناصر”، عن تنظيم الضباط الأحرار، فرحب الشاذلي بالفكرة وسارع للانضمام إلى التنظيم، وتولى بعدها منصب قائد سـ ـلاح المظلات في الجيش المصري خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وذلك بعد تلقيه عدة دورات تدريبية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وثق عبد الناصر به كثيراً، وأرسله عام 1960 مع كتيبة المظلات إلى الكونغو، ضمن مشاركة القوات المصرية مع قوات الأمم المتحدة، لحفظ الأمن والقانون، ومـ ـنع بلجيكا من معاودة احتلال الكونغو من جديد، وذلك عبر طلب رسمي من رئيس وزراءها، وبالتنسيق مع الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك.
آخر قائد مصري ينسحب من سيناء عام 1967
عرف “الشاذلي” بقدراته الكبيرة على القيادة والمناورة بقواته خلال نكسة حزيران عام 1967، وخصوصاً عندما تم القـ ـضاء على سـ ـلاح الجو المصري، واجتـ ـياح سيناء، واتخاذ القيادة المصرية لقرار الانسحاب، دون وجود تغطية أو دعم جوي، الأمر الذي كلف الجيش المصري خسائر فادحة في العتاد والأرواح.
حينها كان الشاذلي قد دخل صحراء النقب ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل انقطاع الاتصال بينه وبين القيادة المصرية، حيث بقي في منطقة النقب مدة 48 ساعة، حتى تمكن في نهاية المطاف من التواصل مع قيادة الجيش في القاهرة، التي أعطته الأوامر بالانسحاب الفوري والمباشر.
واستجاب “الشاذلي”، لأوامر القيادة المصرية، ونفذ عملية الانسحاب بدقة متناهية وحرفية، دون أي إسناد أو دعم جوي، متفادياً حدوث أي خسائر بشرية، ليكون بذلك آخر ضابط مصري ينسحب بقواته من سيناء.
الشاذلي في عهد السادات وحـ.ـرب أكتوبر
أطاح الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بمعظم رموز نظام الحكم الناصري في 1971، لكنه حافظ على “الشاذلي” وعينه رئيساً لأركان القوات المـ ـسلحة المصرية، نظراً لما يتمتع به من كفاءة وخبرة عسكرية، حظي بها من خلال تجاربه، والدورات التدريبية التي تلقاها في الولايات المتحدة الأمريكية، ودراسته للعلوم العسكرية في الاتحاد السوفياتي.
بدأ الجيشان المصري والسوري في 6 أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، بمـ ـهاجمة القوات الإسرائيلية بشكل مفاجئ، وعلى طول الجبهتين، حيث حققت القوات المصرية نجاحاً كبيراً في معـ ـركة قناة السويس، واستطاعت عبور خط الدفاع الإسرائيلي الأسطوري “بارليف”، خلال 18 ساعة فقط، عبر خطة محكمة وضعها الشاذلي.
لكن سرعان ما ظهرت عدة ثغرات في صفوف القوات المصرية، رصدتها طائرات استطلاع الأمريكية، التي أبلغت القوات الإسرائيلية بها، ليتمكن الجيش الإسرائيلي من اجتياز قناة السويس مستفيداً من تلك الثغرات.
ونتيجة للفوضى التي حصلت، وعدم اتخاذ القيادة المصرية للقرارات المناسبة، تمكن لواءان من العبور والتواجد إلى غرب القناة بقيادة الجنرال أرئيل شارون قائد الفرقة المدرعة الإسرائيلية 143.
فقدم “الشاذلي” حينها خطة للمناورة بالقوات عن طريق سحب القوتين من شرق القناة، والتفافهم لضـ ـرب اللواءين الإسرائليين اللذين عبرا إلى غرب القناة.
لكن السادات رفض تلك الخطة، لتصل على إثرها الأمور بينه وبين السادات إلى الفراق، حيث قام الأخير بعزل الشاذلي وتعيين محمد عبد الغني الجمسي بدلاً منه ليقوم بمتابعة أمور المعـ ـركة.
أنهى ا”الشاذلي”، خدماته كرئيس لهيئة أركان القوات المسـ ـلحة المصرية، خلال شهر ديسمبر/كانون الأول عام 1973، وتم إصدار أمر بتعيينه سفيراً في وزارة الخارجية.
اتهامات السادات ورد الشاذلي
رفض “الشاذلي” تهميشه بهذه الطريقة، وفضل البقاء في المنزل، فقام السادات بإقناعه بالسفر إلى لندن بحجة وجود صفقات عسكرية، ودعم أوروبي لإعادة تنظيم القوات المسـ ـلحة المصرية، فوافق الشاذلي، لكنه سرعان ما اكتشف في لندن عدم وجود أي شيء مما حدثه به السادات قبل سفره.
مكث “الشاذلي”، في لندن حتى عام 1975، لينتقل بعدها إلى البرتغال التي بقي فيها لغاية عام 1978، بعد أن وقع السادات اتفاقية “كامب ديفيد”، الاتفاقية التي لاقت انتقاد واستهجان الشاذلي، الذي اتهم السادات بالديكتاتورية، واستقال من منصبه كسفير لمصر في البرتغال، ولجئ إلى الجزائر لجوءاً سياسياً.
وجّه السادات العديد من الاتهامات للشاذلي، حيث وصفه بالمتخاذل، وحمله المسؤولية عن الثغرة التي دخل منها الجيش الإسرائيلي، وذلك ضمن مذاكراته التي أصدرها عام 1978 تحت عنوان “البحث عن الذات”.
فما كان من الشاذلي إلا أن رد عليه بنشر مذكراته في كتاب تحت عنوان “حـ ـرب أكتوبر”، الذي يعد من بين أكثر الكتب دقة في توصيف مجريات حـ ـرب أكتوبر عام 1973.
حيث جاء في كتاب “الشاذلي”، أن السادات قام باتخاذ قرارات خاطئة، رغم تقديم النصائح له من المقربين والمحيطين به من القادة العسكريين، واتهمه بالتدخل المستمر في سير الخطط والعمليات العسكرية على الجبـ ـهات، ووجه إليه اتهاماً مباشراً بالتسبب بالثغرة التي دخل منها الجيش الإسرائيلي، وبتضليل الشعب عن طريق إخفاء بعض الأمور من ضمنها حصار الجيش الثالث لمدة تخطت عتبة الثلاثة أشهر، حيث كانت تصلهم الإمدادات تحت إشراف مباشر من الجيش الإسرائيلي.


المصدر: مدى بوست