رأي

إضاءة سياسية النظام الجديد في سورية الثورة (2)

إضاءة سياسية النظام الجديد في سورية الثورة ( 2 )

أوطان بوست – رأي – محمد سعيد سلام

كنا قد ذكرنا في الإضاءة السابقة التي حملت العنوان نفسه أن الربيع العربي والثورة السورية تحديدا وضعت لبنة مهمة جديدة لها أثرها في قواعد العمل السياسي.

وأنه يجب علينا الحفاظ على هذه اللبنة وعدم التفريط بها، وقد تم الوعد بالكلام على كيفية المحافظة على هذه اللبنة.

تقتضي هذه الكيفية الاقرار منا بالعمل السياسي على أساس التمايز عن القائم محليا وإقليميا ودوليا بعد فهمه واستيعابه، ومن ثم تثبيت تموضع ثوري سياسي سيادي يشكل قاطرة حقيقية للنظام الجديد.

وأن التحركات الإقليمية والدولية السياسية التحضيرية الحالية تستدعي التنبه والتيقظ لكل خطوة جديدة تمس النظام الجديد في سورية.

فما هو الوضع المحلي والإقليمي والدولي الذي يجب التمايز عنه ؟

محليا:

1- التخلي كليا عن أن العصابة موجودة حقيقة وأنها المتحكم ذاتيا بتصرفاتها، والإقرار العملي أنها ليست أكثر من بيدق إجرامي وحشي مستلب القرار لصالح أغلب المحتلين مع اختلاف النسب والآليات.

2 – جميع الأحزاب بما فيها الحقيقية تعاني من حالة ترهل وأزمات داخلية وضعف وتشتت في الرؤيا، وتخضع لاستقطابات إقليمية ودولية طوعية تمنعها موضوعيا من القيادة.

وإن الثقة والدفع بها مرة ثانية إلى مواقع متقدمة سيضر بالثورة ونظامها السياسي المرتقب في سورية ضررا بالغا ، كما أن المراهنة على هذه الأحزاب بكل توجهاتها وأيديولوجياتها المتعددة جهل سياسي ببنيتها وتاريخها في العمل السياسي.

وهذا ليس طعنا بها أو تقليلا من شأن أفرادها بقدر ما هو توصيف لحقيقة الأحجام والإمكانات باعتبار المعرفة والتجربة البعيدة والقريبة والحالية.

3 – لا يمكن الاعتماد على الهياكل السياسية المصنعة وأذرعها لأنها وجدت خارج إرادة السوريين بطريقة لا تليق بتاريخ هذه المنطقة وشعبها وتضحياته ، فلا يمكن أن تقود أو تسهم في تحقيق التغيير المنشود.

4 – سورية تخضع لاحتلالات عسكرية مركبة ومتناقضة فيما بينها على نسبة النفوذ والمصالح، ومتفقة على أن الثورة متباينة مع الوضع الإقليمي والدولي واستقراره واستمراره وفق ما أسس عليه، فلا يمكن التعاطي – من وجهة نظرهم – مع الحد الأدنى من مطالبها ومسايرة ما تريد تحقيقه.

ولا بد من الاستمرار في محاصرة ثوارها الحقيقيين وخاصة الأوائل منهم والتضييق عليهم والقيام بكل ما يلزم يحول دون تموضعهم.

إقرأ أيضاً: في سوريا… مشكلة ثروة ضخمة وتحكّم بطائفة

5 – لا تختلف مناطق سورية الثلاث وفق السيطرة الحالية عن بعضها من حيث الأدوات المستعملة، ومن حيث داعمو هذه الأدوات ووقوفهم حجر عثرة أمام تحقيق الانتقال السياسي في سورية.

6 – لا يوجد داخل سورية الآن قوى ثورية بالمعنى الدقيق للتسمية، ولا قوى عسكرية يمكن الاعتماد عليها في توجيه الدفة أو إحداث فرق لصالح الثورة وما أرادت تحقيقه لشعبها.

والقائم من هذه المسميات يحمل في جنباته وزواياه الحادة الضيقة جدا معاني سامية، ويقدم بعض أفرادها حتى هذه اللحظة تضحيات جديرة بالاحترام؛ لكنها قيدت من خلال مفاصلها الرئيسية بعيدا عن هؤلاء الأفراد المتناثرين بطبيعة علاقة مع بعض الجهات الإقليمية.

أو الدولية أو كليهما لا تخدم الشعب السوري في الحرية والكرامة والسيادة من حيث يعلم مسؤولوها – وهم كثر – أو لا يعلمون – وهم نادرون جدا – ومن حيث يريد مشرفوها أو لا يريدون.

وهناك العشرات في سورية، بل المئات من الثوار من خارج هذه المسميات الذين يسعون إلى الانفكاك من هذه الحالة المفروضة وإعادة التموضع سوريا على نحو ما سبق في عام 2011 وأوائل عام 2012، والاستفادة من الدروس السابقة، ويريدون التخلص من رؤوس جاهلة ورخيصة في عمومها سلبت عقولهم زينة المال ووهم العلاقة مع المحتلين.

وهناك الآلاف بل عشرات الآلاف من السوريين الأحرار الذين يتشوفون إلى بروز حالة تنتمي إلى الوطن وتؤمن بقضاياه ليمنحوها ثقتهم وليشكلوا رافدا حقيقيا لها.

وهناك مئات الآلاف من السوريين الذين سيدعمون تلك الحالة بعد اختبارها وتاكدهم من اختلافها عما سبق

7 – يوجد ضعف شديد في عملية التأطير السياسي المهني الذي يلبي متطلبات المرحلة، وإلى جانبه سعي محموم في استعجال هذا التأطير على أساس التجميع العشوائي البعيد عن المناخات الطبيعية والسياقات الصحيحة، وأحيانا تجميع شللي غير جدير بتمثيل مؤسسة صغيرة فضلا عن بلد كسورية بعد ثورتها العظيمة.

ويميع بعضهم عمدا أو جهلا القضية السياسية السورية تمييعا مفرطا حين يختزلها بترشيح شخص عبر بعض اللقاءات أو البيانات أو المنشورات على موقع في وسائل التواصل الاجتماعي كغرفة ” واتس ” أو صفحة ” فيس بوك “، ويحشد له التوقيعات وعبارات التبجيل.

8 – المرحلة القادمة القريبة في سورية هي مرحلة الكرزايات – نسبة إلى كرزاي موظف الاحتلال الأميركي في أفغانستان – والجلبيات – نسبة إلى احمد جلبي العراقي إبان الاحتلال الأميركي.

وليسوا قلة من يسعى إلى تقديم أوراق اعتماد ليحظى بالوظيفة عند الأميركي أو الروسي أو سواهما في سورية، لكنهم جذر على ماء ما أن يوضع حتى يغوص، وزراعة في رمال الصحراء ستغطيهم وتطمرهم اول رياح خفيفة.

9 – رغم الانحسار الكبير في الحالة المرضية التي سيطرت على أفراد كثيرين كانوا يعتقدون في أنفسهم انهم الرقم الأوحد الذي يجب على الجماهير أن تلتف حوله.

فإنه مازال هناك بعض الأفراد في المشهد السياسي يتصرفون وفق هذه الحالة المرضية التي ورثوها من ثقافة المستبد والقائد الفذ والزعيم الملهم والشخصية التاريخية، ويتلبسهم الوهم المركب وكأن شيئا لم يحدث أو يتغير في سورية.

ويستندون في تعزيز مرضهم ووهمهم إلى وجودهم في بعض العواصم، ويعولون على الإقليمي والدولي في دعمهم وتظهيرهم، ويعتقدون أن خيارات الثورة سياسيا وعسكريا قد حوصرت ونفدت.

وأن التعويل على الخارجي هو الأمثل والمتاح والممكن مع أهمية استعمال خطاب ممجوج مفضوح في انحيازهم إلى الثورة وتمجيد شهدائها الأبرار وتضحيات شعبها الفذة، وهذا نوع من القصور السياسي ينسجم مع تركيبتهم السابقة على الثورة السورية.

إقليميا

10 – ليست روسيا وإيران وبقايا العصابة الحاكمة والمليشـ.ـيات الطائفية وحدهم من يقـ.ـتل الشعب السوري وينكل به ويطيل أمد معاناته ، بل إن الأميركي يتسيد جميع الإقليمي ويوزع أدوار تلقين الشعب السوري دروسا قاسية ومريرة من الثلاثي الدنيء ومليشياته وأجراء آخرين لا يختلفون عنهم من حيث النتيجة.

والإصرار على ثلاثية روسيا وإيران وبقايا العـ.ـصابة هو ضحالة سياسية كبيرة ، وربما جهالة سياسية ، ويحتمل أن يكون أمرا آخر

11 – لا قبل للأوربيين في التحرك دون الولايات المتحدة على المستويين العسكري والسياسي، وهم بحاجة إلى قرارها للتحرك اقتصاديا ويدركون كل الإدراك شدة المفاعيل والآثار التي يزداد عبؤها عليهم يوما بعد يوم.

12 – ستكشف الثورة السورية تباعا المزيد من الهشاشة الإقليمية والمزيد من الأدوار الوظيفية التي كان يظهر أصحابها نقيضها ، والتي يصر بعض السوريين على تبريرها أو القفز عنها وتجاوزها.

وأرجح أن تزداد وتيرة الضغوط الإنسانية والسياسية على السوريين الأحرار من جميع المحيط ربما تصل إلى درجة الاعتقالات السياسية والاغتيالات بين يدي التحضير الجديد لما يريدون تثبيته في دمشق .

دوليا 

13 – اعتمدت الولايات المتحدة الأميركية في تعاملها مع الثورة السورية من لحظة انطلاقتها على آلية المراهنة على الزمن والتأجيل المرحلي في تنضيج شكل سياسي يرضي السوريين ويقنعهم دون أن يلبي إرادتهم.

وهو الأمر الذي لم ينجح حتى كتابة هذه السطور رغم حالة الألم الإنساني الذي يعيشه السوريون الفائق للتصور، وانقلب سحر الزمن على الساحر لان المماطلة في الحل باتت تشكل حملا ثقيلا ومرهقا ومهددا لجميع الإقليمي.

وإن مزيدا من الضغوط على السوريين سيولد انفـ.ـجارا وموجة جديدة لا يمكن معرفة آثارها عليهم جميعا.

14 – تقف الولايات المتحدة الأميركية حائرة تائهة – بعكس ما يتصوره البعض أو يعتقده – أمام عدم قدرة الإقليمي جميعه بعد إعطائهم هوامش لا بأس بها في تحقيق ما يلزم سياسيا في سورية.

وجل ما حققوه مزيدا من الدمار والتشريد والتهجير والإفقار على أمل أن يسهم ذلك وفق عقيدة الصدمة في استسلام الشعب السوري لإرادتهم وتخليه عن تحقيق الانتقال السياسي التي انطلقت ثورته من أجله.

ختاما إن التقاط هذه المعاني وتمثلها سلوكيا والتمتع بالتروي وعدم الانجرار وراء الأجهزة المخابراتية، والتخلص من وهم المشاريع الشكلية والهياكل البديلة.

والتخلص من أن المرحلة تستلزم الإسراع بتشكيل بدائل ترضي الإقليمي والدولي وتقنعه، مع التركيز والتمسك السياسي العملي بما أردناه سيسهم حتما في وضع لبنة السيادة والإحاطة بالاقليمي والدولي وإجبارهم على نمط علاقة جديدة كل الجدة لا يعرفها النظام الدولي.

ولا يريد أن يعرفها، لكنه مضطر إلى القبول بها أمام الفاتورة الكبيرة لوجوده العسكري والأزمات الاقتصادية الكبيرة شريطة أن نثق بأنفسنا نحن الثوار السياسيين أننا قادرون على إقامة النظام الجديد وتجسيده وتحصينه بعيدا عن أية هيكلة حالية أو مرتقبة.

مهما كانت مغرياتها وأيا يكن داعموها والبعد عن وعودهم الفارغة والخادعة، والتأكد من عدم قدرتهم على تثبيت شرعية سياسية تشبه العصابة وضحالة ادواتهم وهزالتها وانكشافها .

خاص أوطان بوست

محمد سعيد سلام

إضاءة سياسية “النظام الجديد”  في سورية الثورة (1) 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً