رأي

كاتب سوري: حجم التغيير الذي أحدثته الثورات العربية لا يمكن أن يفرز شأنا سياسيا سلسا

القوة السياسية المنتظرة - أوطان بوست

كاتب سوري: حجم التغيير الذي أحدثته الثورات العربية لا يمكن أن يفرز شأنا سياسيا سلسا

خاص أوطان بوست –  إضاءة سياسية – محمد سعيد سلام

القوة السياسية المنتظرة 

يشير الربيع العربي بشكل واضح أن العمل السياسي يمر بحالة مخاض ستقطع مع ما قبلها، وتؤسس لما بعدها بمستوى عميق، وليس من السهولة على أي أحد أو أي جهة أن تتصوره أو أن تدركه على حقيقته. 

لن أدخل في النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية  وما ينتظره على أهمية هذه القضية وارتباطها جوهريا  بالموضوع المبحوث تحاشيا للتطويل.

ولن أتناول الإقليمي الوظيفي وتوهمه بأنه قادر على الصمود في وجه التغيرات التي أفرزتها المنطقة – ومازالت – حرصا على تضييق مساحة الفكرة المطروحة لضبطها واستيعابها على نطاق معين وتثبيتها ومن ثم البناء عليها. إنما سأتناول التشكيل السياسي باعتبار الظروف المحلية الناشئة عن الثورات. 

الكاتب السوري “محمد سعيد سلام” / أوطان بوست

إن أقل المتابعين يعلم أن المنطقة من قبل خضوعها للمحتلين مرورا بخروجهم – وما تركوه من آثار كتفتيت المنطقة جغرافيا وتقطيع أوصال النسيج حضاريا وثقافيا – وانتهاءا باللحظة الراهنة تحكم من قبل فئة عسكرية برتب صغيرة عند بداية الانقلابات في خمسينيات القرن الماضي.

لا هم لها إلا الحفاظ على الحكم والإمساك به بعقلية العصابة وقطاع الطرق وشعارات الخداع والتضليل، ساعدهم على ذلك محليا كثير من أفراد الفكر والفن والصحافة والإعلام حماسة وجهالة بحقيقتهم، أو حرصا على لقمة العيش واستمرار النوع، أو خوفا من بطشهم، أو انتهازية أو قناعة لمآرب وأسباب متعددة . 

وتناول القوة السياسية المنتظرة والكتابة عنها لا يعني بحال من الأحوال لا عن طريق الإشارة ولا العبارة القبول ببقاء العصابة الحاكمة، أو إعادة تأهيلها أو الشراكة معها.

لأن هذا يفضي إلى الإقرار بترسيخ العبودية، وتشريع الإجـ.ـرام، وقوننة التوحش والنهب والارتهان، ويوضح عدم فهم ماذا يعني الانتقال السياسي، ويشبه تقريبا دعوة أوروبا الى التصالح مع النازية التي تعتبر أقل سوءا من عصابات الحكم. 

إقرأ أيضاً: “نتنياهو” يحدد أولويات إسرائيل في سوريا

لم تستطع المعارضة في طول المنطقة وعرضها ممارسة العمل السياسي بطرق صحيحة وصحية وعلنية إلا على نحو جزئي ومتقطع وتحت عين وسمع العصابات المجرمة لتحقيق أجندات محددة، ومراعاة لظروف معروفة. 

فلا تشمل القوة السياسية القيادية التي ستبرز آجلا متوسطا – وليس عاجلا قريبا – الهياكل السياسية المصنعة والمعارضة التقليدية والأفراد الواهمين والحالمين الذين يصرون من خلال سلوكياتهم الملحوظة على الاعتماد على الخارجي أولا.

ويرون أن الاستقرار لن يحصل دون إذنه، ولن يكون إلا بإيقاعه وموافقته؛ وهم بذلك لا يفرقون بين الاستعمال السياسي وبين الانتقال السياسي المنشود، وهؤلاء بهذه العقلية وهذه السلوكيات لن يتمكنوا من فهم ما يجري في المنطقة مهما ادعوا ذلك نظريا. 

تركز هذه القوة السياسية على البنية الداخلية وبنائها بناءا محكما متماسكا يقيم وزنا أوليا للعمل بعيدا عن الصفات، ويفرق أشخاصها بين الذاتي والعام.

إقرأ أيضاً: كاتب تركي: “أنتم تخدمون الشيطان بأموالكم” خلاص ليبيا وتحريرها سيكون بدعم من تركيا

ويعيرون انتباها للفروقات والإمكانات التي تخدم الشأن والمصلحة العامة فيلمسونها ويشكلون رافعة لها ويحصنونها مسقطين كل الاعتبارات الجهوية والعشائرية والحزبية . 

كما ترى هذه القوة السياسية باعتبار انتمائها للنسيج القوي ومعرفتها الدقيقة بوعيه وثقتها بمساندته أن القوة العسكرية يجب عليها أن تأتمر بأوامرها، ولا تجرؤ على الانقلاب لأن ذلك أصبح من مخلفات الماضي، ولم يعد الترويع يجدي نفعا.

ولن يمر دون محاسبة ومحاكمة تتناسب مع محاولة استخدام القوة واستعمالها في التعدي على الإرادة المجتمعية.

وإن كل من يقبل التعاطي السياسي تحت إمرة العسكري فهو موظف من مستوى معين. 

وإحدى أهم ميزات القوة السياسية المرتقبة أنها قادرة من خلال قيادييها – وليس قائدها أو زعيمها – في نواتهم الأولى التي لم تلتئم بعد لظروف – على التمييز بين الأشخاص الذين يصلحون للعمل السياسي والانخراط في ملفاته ومهماته، وبين سائر التخصصات والمهارات التي تختلف طبيعتها عن الحقل السياسي.

وهذه قضية محورية للغاية يقلل من دقتها ثلة، وتطمس قيمتها وأهميتها جهات معلومة، وتفيد التجربة أن كثيرين يستسهلونها بقدر كبير. 

وهذا كله وما يماثله جر كوارث على دول الربيع العربي ومحيطها الطامح إلى التغيير.

أما التمييع والأوهام والأمراض الذاتية والتصحر والحاجة المادية فهي ثانوية – بعكس ما يتصوره البعض – مقارنة بما سبق.

والخلط بين العمل السياسي من جهة بكونه منظومة متكاملة، وبين العلاقات على أهميتها وبين الفكر على ضرورته وبين التحصيل الأكاديمي التخصصي من جهة ثانية واضح المعالم من خلال الأداء العام، ويترك آثارا سلبية ملموسة.

وكل هذا التعقيد لا يدعو إلى القلق والإحباط لأن حجم التغيير الذي أحدثته الثورات العربية وخصوصا الثورة السورية لا يمكن أن يفرز شأنا سياسيا سلسا.

ومن غير الممكن أن يثابر ويتابع ويسهم في الفرز السياسي المتماسك والمنسجم مع طبيعة المرحلة إلا اشخاص يملكون كفاءات وقدرات ومهارات متميزة . وهم الذين سيفتتحون العصر الجديد، ويختمون الآلام بسعادة وأمل، وسيحولون الأحلام إلى حقيقة.

إقرأ أيضاً: إضاءة سياسية النظام الجديد في سورية الثورة (2)

سيجد أفراد كثيرون صعوبات جمة في فهم عمق هذه المفاصل بسبب تراكم عقود تزيد على القرن عمل فيها على تخريب العمل السياسي، بل استئصاله؛ وسيكابر آخرون في قبول هذه المعاني والتعامل معها والتفاعل على أساسها لعلل في وعيهم وعلة في نفوسهم. 

وسينتج عن كل ما نراه ونلمسه ونعرفه اهتزازات وارتدادات شبه طبيعية إلا أن دقة التعاطي معها قبولا وتصحيحا وتجاوزا وتعديلا سيضمن الاستمرار نحو الهدف الصعب في توليد القوة السياسية المنتظرة التي تليق بتاريخ المنطقة وحاضرها ومستقبلها.

إقرأ أيضاً: كاتب روسي: لو قررت موسكو إزالة الأسد من السلطة فقد تفشل هذه الخطوة حتى لو كانت من خلال الانتخابات الوطنية

تدرك هذه القوة السياسية من لحظة الإعداد لها تفوقها وتمايزها عن جميع الإقليمي في طبيعة علاقتها مع الدولي لأنها تنتمي إلى بنية مجتمعية جديدة أرادت صنع التغيير وأدركت حقيقة الجيوش والمخابرات والسلاح المكدس والوظيفي المحلي والوظيفي الإقليمي وتريد أن تقطع كليا مع عصابات الحكم التي تطلق على نفسها أنظمة وتدعي أنها دول . 

المصدر: أوطان بوست – بقلم: محمد سعيد سلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً