اقتصاد

” أهم أسباب ارتفاع سعر الدولار في مصر”

 

الجنيه المصري يواصل تراجعه مقترباً من حاجز 70 جنيهاً مقابل دولار واحد
الجنيه المصري يواصل تراجعه مقترباً من حاجز 70 جنيهاً مقابل دولار واحد

كم سعر الدولار اليوم ؟.. تلك العبارة التي استبدلها المواطن المصري بكلمة صباح الخير !!.. فقد أصبح سعر الدولار اليوم  بمثابة الهاجس الوحيد لدى الشارع المصري، الذي أصبح يتحسس متطلباته اليومية الأساسية وكأنها إنجاز لابد أن يكسبه. خوفاً منه أن يخسره  في المستقبل القريب، كما خسر الكثير من متطلبات عيشه التي كان يظنها في متناول يده  كالسكر والأرز والدقيق.

وتشهد الأسواق المصرية موجة عنيفة من ارتفاعات الأسعار. بدءاً من السلع الاستهلاكية، مروراً بمنتجات الألبان واللحوم، إلى الذهب. وبدت هذه الأزمة جلية  خلال الأسبوع الأخير، حيث شهدت بعض السلع ارتفاعات مفاجئة بما يقترب من 100% على الرغم من عدم وجود أي مبرر سوى أزمة ندرة الدولار.

بينما تحركت الحكومة المصرية في أكثر من اتجاه، فقامت بزيادة  أسعار تذاكر المترو والكهرباء وخدمات الإنترنت خلال أول أيام العام الحالي. ولكن تشير التوقعات إلى استمرار ارتفاع الأسعار في ظل شح العملة الصعبة وقيام عدد من كبار التجار باحتكار بعض السلع.

ويمكن القول بأن مصر تشهد تدهوراً اقتصادياً لم يسبق له مثيل، ووفقاً لمنصة الصرف اليوم الأربعاء 30/1/2024 فقد بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي 68.6مقابل الجنيه المصري في السوق الموازية “السوداء”.

وهو أدنى مستوى تاريخي للعملة المصرية، بينما بلغ السعر في السوق الرسمي 30.9 جنيهاً وفقاً لبيان البنك المركزي المصري.

ومن خلال هذا المقال سنجيب على أهم أسباب ارتفاع سعر الدولار، والذي يعود إلى مجموعة من الأسباب الخارجية التي تؤثر بشكل مباشر على سعر الدولار، ومجموعة من الأسباب الداخلية التي تتعلق بالسياسات الاقتصادية والوعي المالي لدى الجماهير وزيادة الطلب من قبل المستوردين. وسنتناول بالتفصيل أهم هذه الأسباب:

– أهم الأسباب الخارجية لارتفاع سعر الدولار في مصر:

1- الحروب والأزمات الاقتصادية الراهنة في المنطقة:

تتوالى الأزمات الاقتصادية العالمية وتؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد المصري نبدأها بالحرب الروسية الأوكرانية، وما أحدثته من تأثيرات عالمية أدى إلى خروج نحو 22 مليار دولار من مصر خلال تلك الأزمة الاقتصادية. ولم تلبث أن تتعافى مصر من هذه الموجة الحادة إلى أن تلتها الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة.

وذلك في السابع من أكتوبر الماضي أدت إلى الهبوط المتسارع للجنيه مما أثار قلق المتعاملين وخلق حالة من الاضطراب في الأسواق، حيث كان سعر صرف الدولار مقابل الجنيه حينها نحو 38 جنيهاً.

وبعدها تلقى اقتصاد مصر المتدهور بالفعل ضربة جديدة موجعة نتيجة التراجع الحاد في الإيرادات بعد الهجمات التي شنتها جماعة الحوثيين في اليمن على سفن الشحن، التي أدت إلى تحويل الملاحة التجارية بعيداً عن قناة السويس باتجاه رأس الرجاء الصالح.

"سعرالدولار يتأثر بشكل أساسي بواردات قناة السويس"
“سعرالدولار يتأثر بشكل أساسي بواردات قناة السويس”

و أوضح الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس الأسبوع الماضي، بقوله: ” إن عائدات القناة انخفضت 40 بالمئة في أول 11 يوماً من يناير.

وفي السنة المالية المنتهية في 30 يونيو، كانت قد حققت القناة إيرادات قياسية لمصر بلغت 8.76 مليار دولار، وفي الربع الثالث أضافت 2.40 مليار دولار أخرى.

في حين أكد أسامة ربيع أن الملاحة في القناة لم تتأثر بأعمال الحوثيين في مضيق باب المندب حتى الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر الماضي 2023.

موضحاً أن التأثير ليس على القناة وحدها بل على العالم كله، خاصة أن القناة هي الأكثر أماناً وسرعة وتوفيراً مقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح.

وقال أسامة ربيع : ” إن المخاوف الأمنية لشركات الشحن لن يتم التغلب عليها بالخصومات أو الحوافز الأخرى التي تقدمها القناة.

وتابع: “تأثير الأزمة على الملاحة العالمية كبير، مما يؤدي إلى تباطؤ سلاسل التوريد.. ما يحدث يذكرنا بكوفيد.. فالسفن لا تتحرك، وإذا تحركت فإنها تصل متأخرة”.

2- انخفاض تحويلات العاملين في الخارج:

تعتبر تحويلات المصريين في الخارج واحد من أهم موارد النقد الأجنبي التي يعتمد عليها الاقتصاد المصري، ففي حين كشفت وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج سها جندي، عن بلوغ تحويلات المصريين في الخارج نحو 22.1 مليار دولار، خلال عام 2022-2023، وهذا رقم لايستهان به ، في حين بلغت نحو 31.9 مليار دولار، خلال عام 2021-2022.

وانخفضت التحويلات إلى9.85 مليار دولار في السنة المالية التي انتهت في 30 يونيو، ثم انخفضت 1.93 مليار دولار أخرى في الفترة من يوليو إلى سبتمبر، وفقاً لأرقام البنك المركزي.

ويتردد المصريون في الخارج في إرسال مدخراتهم المالية إلى بلادهم عندما يكون سعر الدولار منخفضاً بفارق كبير عن قيمته في السوق السوداء وذلك مع استشراء التضخم. من خلال اللجوء إلى السوق السوداء وفيما يُعرف بـ«طريقة المقاصة»، بالحصول على العملة الصعبة من المصريين بالخارج خارج النظام المصرفي، مقابل إيصال المال إلى أهلهم في الداخل، مما يؤثر في الاحتياطي النقدي.

3- الإفراط في الاقتراض:

كشف رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، الدكتور فخري الفقي، أن ديون صندوق النقد لدى مصر خلال العام المالي الحالي 2023/2024، وصلت إلى 29 مليار دولار، لافتًا إلى أن مصر تمكنت من تسديد نحو 14.5 مليار دولار من هذه الديون.

"مقر صندوق النقد الدولي في واشنطن".
“مقر صندوق النقد الدولي في واشنطن”.

وأوضح الفقي أنه في العام المالي 2024/2025 سيكون على مصر ديون تقدر بنحو 23 مليار دولار.

وقد وصلت بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، لإجراء المراجعات الخاصة ببرنامج التمويل الذي تم إقراره في نهاية 2022 ،وقال متحدث باسم صندوق النقد الدولي إن بعثة الصندوق موجودة في القاهرة في الوقت الراهن لمناقشة قرض من الصندوق قيمته ثلاثة مليارات دولار وبرنامج إصلاحات.

وأضاف أن المناقشات جارية بخصوص تمويل إضافي لتخفيف الضغوط المرتبطة بالحرب في غزة عن مصر، وفق ما ذكرته وكالة “رويترز”.

وذكر المتحدث أن البعثة، برئاسة إيفانا فلادكوفا هولر، “ستواصل المناقشات بخصوص المراجعة الأولى والثانية لبرنامج الإصلاح المصري المدعوم بتسهيل الصندوق الممدد”.

4- انخفاض الواردات السياحية:

تعتبر السياحة في مصر واحدة من أهم موارد القطع الأجنبي التي ترفد الاقتصاد المصري بمليارات الدولارات سنوياً، فقد حققت وارداتها رقماً قياسياً بلغ 13.6 مليار دولار في السنة المالية 2022-2023 ثم 4.45 مليار دولار في الفترة من يوليو إلى سبتمبر، إلى أن اندلعت الحرب في غزة. الأمر الذي أدى إلى انخفاض إيرادات الدولار من السياحة واختلفت معدلات السياحة بين مناطق وأخرى بحسب تموضعها بالقرب من مناطق الصراع.

فقد أوضحت نائبة وزير السياحة والآثار المصري، غادة شلبي أن: «هناك مناطق تأثرت بشكل كبير وحدث بها إلغاء في الحجوزات: مثل طابا (جنوب سيناء)، لكن مدناً أخرى مثل الأقصر والغردقة لم تتأثر بنفس الدرجة».

" تعتبر السياحة في مصر مصدر هام من مصادر الدخل بالقطع الأجنبي "
” تعتبر السياحة في مصر مصدر هام من مصادر الدخل بالقطع الأجنبي “

وقد أكد علاء عقل، رئيس لجنة تسيير أعمال غرفة المنشآت الفندقية أنه بالفعل نحو 90 في المائة من المنشآت السياحية (فنادق وكامبات) أُغلقت في مدينتي طابا ونويبع الواقعتين في سيناء على شاطئ البحر الأحمر.

ولابد من الإشارة إلى مجموعة الأسباب الداخلية التي تساهم في زيادة معدلات ارتفاع الدولار نذكر أهمها:

1- زيادة الطلب من قبل المستوردين على الدولار:

تمثل فئة المستوردين نسبة 50% من الطلب الفعلي على الدولار، وفق ماوضحه فخري الفقي  رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، وهي الفئة الأكثر ضغطاً على الدولار. وكشف عدد من أعضاء شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية، عن توقف بعض مستوردي السلع عن إبرام تعاقدات جديدة خلال الفترة الحالية، على خلفية الزيادة الهيستيرية  في سعر الدولار أمام الجنيه في السوق الموازية “السوداء”، فضلًا عن تضاعف تكلفة البضائع الموجودة فى الموانئ مع صعوبة تدبير العملات للإفراج عنها.

الجنيه المصري يواصل تراجعه مقترباً من حاجز 70 جنيهاً مقابل دولار واحد
الجنيه المصري يواصل تراجعه مقترباً من حاجز 70 جنيهاً مقابل دولار واحد

وأكد أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين، قائلاً:” إن أسعار السلع المستوردة ومدخلات الإنتاج المستوردة، سترتفع بنفس نسبة الزيادة في أسعار الدولار”.

وأشار شيحة، إلى أن المستوردين غالباً ما يحسبون الزيادات المقبلة حتى لا يتعرضون لخسائر فيرفعون نسب الزيادة، وخاصة أن الدولار في حالة ارتفاع مستمرة.

ويقول أشرف هلال، رئيس شعبة الأجهزة المنزلية، إن ارتفاع سعر الدولار سيرفع أسعار الأجهزة المنزلية المحلية والمستوردة.

2- المضاربة على العملة الصعبة:

فعند حدوث أزمات يتحول اقتصاد الدول إلى “اقتصاد مضاربات”، وهي فئة من التجار تشتري الدولار وتبيعه بسعر أعلى ويشكل المضاربون مانسبته حوالي 40% من حجم السوق الموازية “السوداء”. الأمر الذي أدى تأثيرات سلبية على الاقتصاد المصري وضياع فرص استثمارية أجنبية.

هذا ويوضح رئيس لجنة الخطة والموارنة بمجلس النواب المصري والخبير الاقتصادي، فخري الفقي، أن “المضاربات” هي السبب الرئيسي لارتفاع سعر صرف الدولار بالسوق الموازية.

وتعتمد فئة المضاربين على الدولار كتجارة مربحة بدلاً عن كونه ورقة سداد نقدية لتلبية حاجة التعاملات التجارية والاستثمارية. وهذه الفئة تشكل خطورة كبيرة على استقرار سعر الدولار وتخلق حالة من الذعر بين التجار والمستوردين، مما دفع بالكثير منهم إلى زيادة أسعارهم بشكل متكرر كتعويض لتراجع الأرباح .

3- التوسع في مشروعات البنية التحتية:

تذهب نحو 70% من ديون مصر إلى المشروعات التنموية الخدمية، ومشروعات البنية التحتية وفقاً لتصريحات رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري فخري الفقي، لافتاً إلى أن دخل مصر من العملة الصعبة 10 مليارات دولار سنوياً. وهي ليست أزمة وليدة اليوم، بل هي أزمة مركبة بدأت قبل أكثر من 10 سنوات وكان لابد لكرة الثلج أن تكبر بسبب سلسلة السياسات النقدية والمالية الخاطئة، وفق تعبيره.

تطوير شبكة النقل بطرق وكباري وربطها بالقطار الكهربائي
تطوير شبكة النقل بطرق وكباري وربطها بالقطار الكهربائي

4- غياب الدور الرقابي الحكومي على الأسعار:

سعر الدولار سيواصل ارتفاعه في ظل احتكار التجار للسلع الأساسية وغياب الدور الرقابي من قبل الحكومة على الأسعار، و يرى مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، الدكتور خالد الشافعي، من وجهة نظره “أن عدم قدرة الحكومة المصرية في الرقابة والتفاعل مع السوق أحد أهم أسباب ارتفاعات الأسعار.

حيث لم تتمكن الحكومة من القضاء على سيطرة بعض التجار على عدد مهم من السلع الأساسية والاستراتيجية، فلا يمكن الحديث عن أي تراجع في الأسعار في ظل هذه العشوائية ، بل على العكس سوف تشهد السوق المزيد من الارتفاعات خلال الفترة المقبلة.

– قدمنا لكم موجز مفصل لأهم أسباب ارتفاع الدولار سواء الخارجية والداخلية، ولا ننكر أن احتواء هذه الأزمة من قبل الحكومة له دور كبير في خفض سعر الدولار، ومن المقرر أن يجتمع غداً الخميس البنك المركزي المصري لبحث أسعار الفائدة ووضع سياسات اقتصادية للسيطرة على التضخم.

مقالات ذات صلة