رأي

مو حزن لكن سوري، ياحزن لملم قهرنا ! .. يونس العيسى

مو حزن لكن سوري، ياحزن لملم قهرنا ! .. يونس العيسى

أوطان بوست – رأي – يونس العيسى

يجد السوريين المهجرين قسرا من ديارهم انهم مجرد حطب للسياسة ومشاريع المنظمات بكل الفصول، مما يضطرهم لترديد قصيدة الشاعر مظفر النواب  “مو حزن … لكن حزين “.

السوريون حزينون.. على ديار هجروا منها وجدوا أنفسهم بشتات المخيمات وأشبه  “ببلبل لقى البستان كلها بلاي تين “.

حزينون.. لأنهم طالبوا بحرية أسرجوا منارتها بالدماء، ولما استناروا بهديها، وخوفا من امتداد نورها، أطفئوها وتركوها مثل ” صندوق العرس ينباع خردة عشق من تمضي السنين”.

الإعلامي والناشط الثوري “يونس العيسى” / أوطان بوست

حزينون على حلم لطالما انتظروه، لهفة منهم لبارقة أمل، ينفضون فيها عن حياتهم الشائمة ما لحق بها من مصائب الطاغية، ويسدلون الستار على نظام حكمه وجحيمه.

حزينون.. وهم يتطلعون إلى الخلاص والانفتاح على الأمل، بعد ان صار الأمل، كمفردة ودلالة، ضربا من الترف الحياتي بدا كما لو ان السوريين لا يستحقونه

بل ان مفهوم الأمل نفسه وقرينه التفاؤل، تم ترقين قيدهما من التداول من حياتهم منذ عقود!

حزينون.. على ضياع معالم طريق الثورة والحرية، وتفرق تحت جنح الخذلان شملهم، وتبدد عزائم الكثير منهم، بعد ان ضاعت منهم بوصلة درب الحرية الشائك..؟!

حزينون.. ومتأففين من ضجيج الخطب والشعارات والكلام المرسل دون نتيجة ملموسة، فمنذ سنوات وكل شتاء ولسان حال المهجرين وساكني المخيمات يقول:

كأننا والماء من حولنا     قوم جلوس حولهم ماء

ومعظم عمل المنظمات وغيرها من اللجان والمؤسسات التي يتجاوز عددها المئات ينطبق على مشاريعها القول السابق.

فلا جديد لتجنب ما حصل في الأعوام السابقة، وكأنها أسطوانة مشروخة تدور على إيقاع رتيب

فالكلام ذاته والتبريرات لم تتغير وغير ذلك من الأقوال، والمنظمات جعلت منها مشروع مستديم الحال  وإن تظاهرت بغير ما فيها من النوازع والدوافع والخلال.

تسوقي الآن من موضة ستايل

فهم يسوغون مشاريعهم وخدماتهم على مقاسات منافع الممولين الشخصية ومنطلقاتهم الحزبية والإيدولوجية

وما أكثر البعابع التي يطلقونها لإخماد إرادة الشعب الثائر المهجر وتحويله إلى قطيع مرهون بسلة غذائية وإعانة نقدية..

وحال المخيمات لن تتغير إلى ما هو أفضل وأحسن لأن الجمع القابض على مصير الوطن والمواطنين قد تعود الفساد

ويأتيك بألف تبرير وتبرير لتسويغ مشروعه على حساب مأساة وآلام الشعب المسكين، والقليل من يضع النقاط على الحروف ويمتلك الجرأة لتوصيف الحالة بصدق وإخلاص وغيرة

وإنما تكشفت حقائق الذين يدّعون المثالية الإنسانية والحرص على أهل البلاد، وتبين أنهم أكثر ولاءً للداعم، وأن وطنيتهم وإنسانيتهم تعني الحفاظ على مصالحهم وإستدامة مشروعهم الــ “غير ربحي” !

منذ عشرة سنوات يجد السوريين المهجرين  أنفسهم حطب لفصل الشتاء، تجدهم في غدوّهم ورواحهم بالمخيمات وشوارع المدن يفركون أيديهم بعضها ببعض طلباً للدفيء في نهار بارد

وهم يستعرضون مدافئ من جميع الأنواع تنتشر أمام المحلات التجارية وعشرات منها على الرصيف وبعضها يأكل ثلثي الشارع

وبنفس حار يساومون التاجر على ثمنها والفقر والطفر يضرب أطنابهم وجيوبهم، فالبرد كافر ابن كافر !

هذه المدافئ ستوقد بالحطب والفحم، وعلى أي شيء متاح، من بلاستيك، وملابس مهترئة، وأحذية مستعملة محالة للتقاعد المتأخر، وغيره مما تطوله اليد.

تتخيل هؤلاء الفقراء المساكين وهم يبحثون عن وسيلة تدفئة مثل أبطال فيكتور هوغو في رواية البؤساء

ولكن الفارق أنهم فقراء في الواقع وليس في الروايات التي تصور الشتاء فصلا رومانسيا، والفقراء تدفئهم المشاعر والحنان، لكنها أوهام .

أصبحت حكاية مدفأة المازوت القديمة والغرفة الدافئة يقصونها ﻷطفالهم تمام كبساط الريح او المارد العظيم

فعليهم تشغيل مخيلاتهم ليرسموا اشكالا لها، بات الدفئ  خيالا وكان يا ما كان.

هؤلاء الفقراء، من بلد نفطي، وهم على مقربة من آباره ينقله التجار عبر المعابر إلى مصافي تكريره في المناطق المحررة

التي تبث سمومها في سماء بلادهم ويذهب جل ما تنتجه لمناطق سيطرة نظام الأسد، وهم يرتجفون بردا، وغيظا، وغلاً، ولسان حالهم يقول اننا:

كنالكم حطباً في كل نازلةٍ

فلا تكونوا لنا حمّالة الحََطبِ

فالنفط حولهم والبرد ينال منهم.

تجار الأزمات المتفرّجون على حال الفقراء، لم تتحرك ضمائرهم، فهم يعيشون بلهنيّة، صم بكم عمي!..

يستمتعون بالنفط والغاز سائلاً بين أيديهم، ودولارا في جيوبهم، بينما حال الفقراء يقول: بترول سوريا للأسد وقسد وأمريكا وشركاءهم  بالتهريب.

السوري الفقير، المرتجف بردا، وهو يفرك يديه ويكّز على أسنانه المصطكة، ولا يجد ما يدفئ به فلذات كبده

يتساءل: لماذا نعيش في الوحل والبرد ولا يتحقق حلمنا بمدفأة افتراضية أو مدفأة اونلاين توقف تفكيرنا بوقودها

وتبدد خوفنا من زمهرير الشتاء، وقودها من أنفاس وزفرات أطفالنا ولاتحتاج لحطب أو كاز او مازوت وللحلم تتمة.

المخيمات التي مازالت صامدة ومقاومة ولم تهزها رياح الشتاء و عواصفه وأمطاره ويستعرض ما يحل فيها كل عام على الإعلام ويخزن بالأرشيف للتخزين كحطب ناله بلل!

وينشف كل عام عبر المحطات والمواقع الإعلامية بلسان الرواية لا الدراية، فحاجة سكانها لبرامج الدعم النفسي ودعم المرأة وحماية الطفل بالمشي

والتزلج بالطين أكثر من حاجتهم للتدفئة فأنفاسهم قادرة أن تحرّك قطارا بخاريا صنع عام 1890

ولايحتاجون لخافض حرارة لأنفلونزا الضمير ويرددون كل صباح: ياشمس ياقطيفة المساكين قربك الله متى تعودين !

أما من كثرت نيرانه، وخفَّ ميزانه، وزاد دولاره فأمّه هاوية، وما أدراك ما هيه، نارٌ حامية..!!

واخيرا.. أعلم بأنك يا وطني ما زالت قادرا على أن تميز رائحة العشق من رائحة الفساد رغم أن الأنوف منهم وفيهم مزكمة.

الثورة مو حزن… لكن أهلها حزينون، وباقي حلمهم منذور بغياب الشمس لوطن يحبونه من  كان أسمر جنين.

مقالات ذات صلة