على هامش الدراما الرمضانية

أوطان بوست – رأي – أسامة عثمان
لا يخفى ما تتميز به الأعمال الدرامية، من أنواع من التأثير في المتلقي، ولعلها أكثر فاعليَّة من الأعمال الأدبية والروائية، ذلك أن فئة متلقّيها أوسع، وأن أدوات تأثيرها أسهل نفاذا، وهي المعتمدة على الصورة والصوت والحركة.
مع أن بعض الأعمال الدرامية قد تصدر عن الرواية والقصة، إلا أن تحويلها إلى عمل درامي يجعلها متاحة لعامة الناس، مثقفين وعاديين.
ولذلك تستحق تلك الأعمال الدرامية التحليل والبحث؛ لما تحمَّل من مضامين، ولما يوكل لها من مهام، في هذه المرحلة الدقيقة والمضطربة من تاريخ منطقتنا.
ونجد الأعمال الدرامية في هذه المرحلة يغلب عليها الاستجابة لمزاج العصر الذي يعلي من القيمة الاستهلاكية، بكل أنواع الاستهلاك، حتى الاستهلاك العاطفي، والغرائزي.

وهذا النوع من المسلسلات والبرامج المنصاع لهذه الرؤية ذو اتجاهات، منها ما يتجه نحو تكريس العـ.ـدوانية وإعلاء سلوكات منحرفة، ومنها ما يهدف إلى دسّ مفاهيم سياسية متخـ.ـاذلة.
وقد يلزم تقديم بعض الملحوظات النقدية المتعلقة بالدراما
أولًّا: ليس ما ينتظره المشاهد هو إعادة نقل القبائح الاجتماعية والأخلاقي؛ مجرَّد مرآة عاكسة؛ لأن هذه الصور القبيحة تمّ انتقاؤها، إذ لا يمكن لكاتب المسلسل أن ينكر وجود صور مقابلة جميلة.
فحين يجري حشد مسلسل بمقادير هائلة من القبائح، وأن تكون النماذج المختارة جميعها، أو أغلبها على هذه الحالة المنفّرة، فهذا التقديم ليس بريئا، ولا موضوعيا.
ثانيًا: سياسيًّا، يمكن للدراما أن تكون وسيلة لشرعنة أنماط من الحكم المرفـ.ـوضة، فمثلا قد تغيِّر تلك الأعمال (لدى البعض على الأقل) النظرة إلى البلطجي؛ من الرفـ.ـض والاحتـ.ـقار، إلى الإعجاب والإكبار.
إقرأ أيضاً: قلق “السيادة”.. الحالة السودانية مثالًا .. أسامة عثمان
وهذه الانحـ.ـرافات غير الأخلاقية يُراد لها النفاذ إلى كيانات سياسية ودول تمارس البلـ.ـطجة، حتى إذا انكشفت أغطيتها الشعاراتية، بقي لها من أسباب التقدير البلـ.ـطجة.
ثالثًا: فيما يتعلق بدور المشاهد، ثمَّة مغالطة، إذ حين يعترض الناس على تفاهة ما يُعرض على القنوات، فأول ما يقوله المدافـ.ـعون: “لا أحد يجبرك، اقلب المحطة”.
وتلك المقولة تصرف العقول، وفورا، عن تقييم تلك الأعمال، وتعفيها من المحاكمة.
وليس صحيحًا أن المشاهد يملك الاختيار تماما، لأنك حين تقتصر على عرض البضاعة الرديئة فإن الناس لا بد تتسوق.
فوق أن الذائقة يجري تطبيعها، تدريجيًّا، لاستساغة التفاهة، مثالا على ذلك قناة (إم بي سي) التي كانت تتعمَّد، منذ ظهورها، اصطناع منطقة باهتة من الشعور بالانتماء؛ لتكون منصّة صالحة للتخريب والدسّ.
وأهم ما فعلته أنها جعلتك لا تتوقع منها أيّ مواقف غير مائعة.
ومن المعروف أنّ من طبيعة الأعمال الدرامية أنها تثير الجدل، وذلك من خلال الصـ.ـراع والتناقض بين وجهات نظر واتجاهات عدة، وهي تترك للمتلقي الاقتناع بما يراه.
إقرأ أيضاً: ظهور جديد لـ “رامي مخلوف” يحذر فيه من مشكلة كبيرة ويلمح للتمرد على الأسد
لكن بمعالجة متوازنة، لا تشوّه طرفًا، ولا تجتزئ، أو تنتقي، دون الوصول إلى أن يصير العمل الدرامي محاميًا للشيطان، مبيِّضا وجه دولة قائمة على أنقاض شعب آخر، وبالدم والتهـ.ـجير والإرهـ.ـاب، كما “إسرائيل” فحتى لو طمح مسلسل مخرج 7 في حلقة من حلقاتها إلى بلبلة الرأي حول التطبيع معها.
وهي في عزّ عـ.ـدوانها، على فلسطين، ومقدَّسات الأمَّة، وهي، تاليًا في عزّ استهتارها، لا بالفلسطينيين فقط، بل بالشعوب العربية كلها، والمسلمين. فإن هذا الطموح إلى بلبلة الرأي، بجعل قبول هذا الكيان الاحتلالي أمرا ممكنا، ومسألة تحتمل النظر، خطير، ويمثل خطوة متقدِّمة نحو تخريب الوعي بخفّة واستسهال.
أما البرنامج الذي يستحق الرتبة الأولى في التفاهة فهو “رامز مجنون رسمي”، إذ كثرت الانتقادات له، لما يسوّق له من أمراض نفسية، وتغذية للعـ.ـدوانية، حتى لدى الأطفال، على أننا يمكن أن نقبل من برنامج هدفه الترفيه أن يخلو من أيّ فائدة سوى الترفيه والترويح والتسلية.
لكن لا يمكن أن يقبل هدر هذا الكم من النفقات، وهدر وقت المشاهدين في تعزيز قيم العدوانية والتشفّي.
خاص أوطان بوست
بقلم: أسامة عثمان
أسامة عثمان يكتب لـ ” أوطان بوست” كورونا، حين يكشف عيوب الساسة