الصّندوق الأسود لنظام الأسد .. اللواء “محمّد ناصيف خير بك” ثعلب الأجهزة الأمنيّة في سوريا

بوليس الأسد في رجل واحد .. ثعلب النظام وآخر معالم دولة الأسد الأب .. اللواء “محمّد ناصيف خير بك” رجل الأمن المثقف
أوطان بوست – فريق التحرير
محمّد ناصيف خير بك؛ الصّندوق الأسود لنظام الأسد الأب والابن، وثعلب الأجهزة الأمنيّة في سوريا، كان له دورٌ حقيقيّ في صناعة المشهد السوريّ في مراحله كلّها من مرحلة ما بعد انقـ.ـلاب حافظ الأسد إلى تدمـ.ـير ثورة 2011م.
“أبو وائل” المولود عام 1937م في مدينة مصياف في ريف حماة والمتوفى عام 2015م في مستشفى الشّامي بدمشق.
كان إلى جانب رئاسته الفرع 251 المعروف بفرع الخطيب، وهو الفرع الأقوى في المنظومة الأمنيّة السوريّة، مسؤولا أمنيّا عن منزل حافظ الأسد.

بل أكثر من ذلك فقد كان المشرف المباشر على تربية باسل الأسد وإعداده ليكون رئيسا لسوريا خلفا لأبيه، وبعد مقـ.ـتـ.ـل باسل في حادث سيّارة تولّى الإشراف الأبويّ على بشّار الأسد.
كان من بين المهام التي اضطلع بها اللّواء محمّد ناصيف ابتداء من عام 1985م؛ الإشراف المباشر على العلاقة مع الدّكتور البوطي.
كما أنّه كان صاحب تأثيرٍ واسعٍ في الوسط الدّينيّ من خلال رئاسته لفرع الخطيب، ساعدته في ذلك إلى جانب دهائه الكبير؛ نشأتَه التي كانت في الإعداديّات والثّانويّات الشرعيّة في مدينة حماة.
إذ كان طالبا فيها على الرّغم من أنّه علويّ؛ فعاشر المشايخ والدّعاة عن قرب في فتوّته وشبابه، وعرف طريقتهم وأسلوبهم في التفكير والتّعامل مع الأشياء والقضـ.ـايا.
وهو أحد أبرز المسؤولين الأمنيين في نظام الأسد الأب والابن، حظر عليه الاتحاد الأوروبي في مايو/أيار 2011 السفر لاتهامه بالمشاركة في قمع المطالبين بإسقاط بشار الأسد.
التجربة السياسية
كان محمد ناصيف من المقربين من رأس النظام السابق “حافظ الأسد”، أمسك في عهده إلى جانب عمله في المخابرات بملف العلاقات السورية الأميركية والسورية الإيرانية.
ولعب دورا كبيرا في لبنان حين كان لدمشق نفوذ كبير في لبنان، ولما تولى بشار حكم سوريا خلفا لوالده عينه معاونا لنائب رئيس الجمهورية.
لقب بـ”الصندوق الأسود” للنظام السوري. وضع عام 2007 على لائحة الشخصيات المستهدفة بعـ.ـقوبات أميركية بسبب دوره في ما سمي بـ”الانتقاص من الديموقراطية اللبنانية”.
وفي مايو/أيار 2011، فرض عليه الاتحاد الأوروبي حظـ.ـر السفر بعدما اتهـ.ـمه بالمشاركة في قمـ.ـع التظاهرات والاحتجـ.ـاجات المطالبة بإسقـ.ـاط نظام بشار الأسد.
قبل ثلاث سنوات من وفاته، لم يعد له أي دور سياسي ملحوظ في الساحة السياسية السورية وابتعد عن الأضواء.
حارس النظام
ناصيف عيّن بعد فرع الخطيب معاون مدير إدارة المخابرات العامة، ثم معاون نائب رئيس الجمهورية أي معاون فاروق الشرع.
لأن نظام الأسد لم يكن يريد أن يعيد تجربة نائب الرئيس عبدالحليم خدام وانشـ.ـقاقه وانقـ.ـلابه على حكم بشار الأسد، فكان فاروق الشرع تحت عين الرجل المقرب جدا من عائلة الأسد.
والرجل “المفتاح” كما كان يسمى، سواء للأب أو للأبن، الذي لجأ إليه مؤخرا ليساعد بطرقه الناجعة في وقف الانتفـ.ـاضة وامتدادها في سوريا.
ولأن ناصيف ينتمي إلى مدرسة حافظ الأسد القمـ.ـعية وكان له دور كبير في إنهاء التمـ.ـرد الشعبي في الثمانينات وزج بأنصار الإسلاميين وبالطبع آخرين من غير أنصارهم في السجون.

في عهد حافظ الأسد، أمسك محمد ناصيف بملف العلاقات السورية الأميركية والسورية الإيرانية أيضا من خلف الواجـ.ـهات، حيث كان يساهم في رسم سياسة تلك العلاقات.
ويؤثر فيها بشكل بالغ، حتى أنه كما قيل كان يملي على الوزراء أو المسؤولين السوريين الذين يعملون في الولايات المتحدة أو إيران ما يجب فعله وربما قوله.
الولايات المتحدة يبدأ محمد ناصيف بزيارتها اعتبارا من العام 2005 قيل آنذاك إنه يزور أميركا بقصد العلاج، ولكن الحقيقة التي كشفتها الأوساط الأميركية.
أن زيارات ناصيف كانت لوضع الإدارة بصورة رؤية النظام للوضع في لبنان بعد مقـ.ـتـ.ـل الحريري، وأن دمشق ستتعاون مع أي تحقيق كان، وقيل إن ناصيف نجح من تحت “طاولة” الخطاب الرسمي مع الولايات المتحدة في انتـ.ـزاع “تطمينات” أميركية للأسد
دولة ناصيف الخمينية
نسج محمد ناصيف خير بك علاقات جيدة مع “ثورة” الخميني ثم مع “دولته” وكان مع خيار حافظ الأسد بالوقوف إلى جانب إيران في حـ.ـربها مع العراق و”الخليج العربي” في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
وكان مع خيار حزب الله الشيعي الإيراني في لبنان وكما يردد عدد كبير من المراقبين أن خير بك دعم فكرة التشيع في سوريا بطريقة سرية إلى أبعد الحدود من خلال إيجاد “موطئ قدم” للإيرانيين في سوريا ودعم كل نشاطاتهم العلنية والسرية.
لعب ناصيف دورا هاما في لبنان في فترة “الوصاية السورية” على هذا البلد، وساهم كرجل أمن في تطويق المقاومة الفلسطينية.
وهذا من خلال إنشاء جبـ.ـهات “بديلة” عن منظمة التحرير كمنظمة الصاعقة أو الجـ.ـبهة الشعبية القيادة العامة، وله دور في انشـ.ـقاق “أبو موسى” عن حركة فتح العريضة بعد الاجتياح الإسرائيلي.
حركة “التفتيت” التي شهدتها المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ترجع إلى الدور الكبير لمحمد ناصيف الذي عمل على استبدال كل القوى التي كانت تقـ.ـاتل إسرائيل بحزب الله المدعوم إيرانيا وقبله حركة أمل.
فالمقاومة أصبحت بدعمه “شيعية” وشرعية أيضا وأغلب القوى الأخرى زج بها في السجون أو اغتـ.ـيلت “بهندسة” سورية تنتهي دوما باتهـ.ـام إسرائيل بعمليات الاغتـ.ـيال.
رجل الأمن المثقف
فرع الخطيب الذي كان يترأسه محمد ناصيف خير بك ومن بعده بهجت سليمان كان “متخصصاً” في كل شيء، أي التدخل بحياة المواطنين اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.
ولكن أهم ما عرف عن هذا الفرع أنه نسج علاقات طيبة مع عدد من المحسوبين على سلك الصحافة والإعلام في سوريا، إذ يعتبر الكاتب نبيل فياض محمد ناصيف رجل أمن “مثقفا” فهو كما يقول “قارئ كتاب” جيد.
الفرع المـ.ـرعب ساهم بالدعم المالي والسلطوي للعديد من المواقع الإلكترونية و”النشرات” الإخبارية، ومع الزمن تشكلت طبقة من مثقفي السلطة تأخذ تعليماتها وأفكارها من رؤساء الأفرع الأمنية وأهمها فرع الخطيب.
“الصندوق الأسود” لنظام الأسد، هكذا يوصف ناصيف الذي يحوي كل الأسرار وخطط الاغتـ.ـيالات وألغاز موت الضباط والمسؤولين، بمن فيهم المتـ.ـهمون باغتـ.ـيال رئيس وزراء لبنان الأسبق الراحل رفيق الحريري.
بدءاً من علاقته بباسل الأسد ومساهمته بتجهيزه لخلافة حافظ الأسد، ثم دوره ذاته مع أخيه بشار وصولاً إلى أنه كان المحرك “للماكينة” الأمنية الضيقة داخل العائلة والقصر الجمهوري.
بالإضافة إلى منصبه كمعاون لنائب الرئيس، كان “الثعلب” يعتبر من المستشارين “الناصحين” لبشار الأسد في الشؤون الأمنية.
وكانت له اليد الطولى في رسم سياسة النظام القمـ.ـعية منذ بداية الثورة السورية ضد النظام، وقد أدرج الاتحاد الأوروبي في العام 2011 اسمه على لائحة المسؤولين السوريين الذين فرض عليهم عقـ.ـوبات لدورهم في قمـ.ـع الثورة الشعبية في سوريا.
موقع ويكيليكس كشف، أن اللواء ناصيف كان قد اجتمع في دمشق بتاريخ العاشر من مارس 2012 مع عدد من قيادات الأحزاب والحركات اللبنانية الموالية للأسد.
من بينهم الوزير اللبناني السابق وئام وهاب، وكان الهدف من الاجتماع، تكليفهم بمهام أمنية ضد ما يقال عنهم “المجموعات السلفية” في بيروت
في أروقة واشنطن
تردد محمد ناصيف إلى الولايات المتحدة مرارا، زارها بدءا من العام 2005 وقيل آنذاك إنه يزور أميركا قصد العلاج، لتبرير الزيارات التي كانت “رسمية”.
لا سيما وأن نظامه كان يجاهر بالعـ.ـداء لأميركا التي كانت تعلن الأمر ذاته، ولكنّ الحقيقة التي كشفتها أكثر من وسيلة إعلامية أميركية.
أن زيارات ناصيف لأميركا كانت لوضع الإدارة بصورة رؤية النظام للوضع في لبنان بعد مقـ.ـتـ.ـل الحريري، وأن دمشق ستتعاون مع أيّ تحقيق كان.
وقيل إن ناصيف “نسج” علاقات جيدة ومن تحت “طاولة” الخطاب الرسمي مع الولايات المتحدة وانتزع “تطمينات” أميركية للنظام.
ومع ذلك فإنه في العام 2007، تم وضع اسمه على لائحة الشخصيات المستهـ.ـدفة بعقـ.ـوبات من الولايات المتحدة بسبب دوره في “الانتقاص من الديمقراطية اللبنانية” كما قيل.
وبعد موت ناصيف نشرت وسائل الإعلام برقية كان قد سربها موقع ويكيليكس تتعلق بناصيف ذاته، والبرقية موجهة لوزارة الخارجية السعودية، وتتحدث عن تورط محمد ناصيف في عمليات أمنية جرت في لبنان ضد معارضين لنظام الأسد.
وأوضحت أن اللواء ناصيف اجتمع في دمشق بتاريخ العاشر من مارس 2012 مع عدد من قيادات الأحزاب والحركات اللبنانية الموالية للأسد، من بينهم الوزير اللبناني السابق وئام وهاب.
والذي قام بتحـ.ـريض عدد من أبناء محافظة السويداء ضد الثورة السورية وزرع الفتنة بين أبناء سهل حوران وجبل العرب.
وكان الهدف من الاجتماع، تكليفهم بمهام أمنية ضد ما يقال عنهم “المجموعات السلفية ” التي تتخذ من بيروت مقراً لها، والمتـ.ـهمة بتورطها فيما يدور في سوريا، حسبما تذكر البرقية المسربة.
وكشفت البرقية في ذلك الوقت، أن “الجبـ.ـهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة ” التي يرأسها أحمد جبريل، ستتولى تزويد الأحزاب والحركات اللبنانية بالسـ.ـلاح.
أوراق باتريك سيل
قال عنه الكاتب البريطاني باتريك سيل الذي كتب كتابين حول حياة وحكم حافظ الأسد محمد ناصيف كان متكتماً أكثر من الجميع إلى درجة أنه كان يعيش في مكتبه.
وكان واحداً من القليلين جداً من الناس المسموح لهم بالمبادرة إلى التحدث مع الرئيس الأسد هاتفياً في أيّ وقت.
بالإضافة إلى ترؤسه لما كان في واقع الأمر بوليساً سياسياً، كان واحداً من أهم مستشاري الأسد في شؤون الشيعة سواء في لبنان أو في إيران.
وكان مقرباً من السيد موسى الصدر والقادة الإيرانيين مثل صادق قطب زادة، وحسين الطباطبائي وكان غالباً ما يسافر من دمشق إلى بون وسويسرا اللتين كانتا قطبي الشبكات الإيرانية في الغرب”.
الوفاة
وبعد صـ.ـراع مع المرض توفي محمد ناصيف خير بيك (78 عاما) يوم الأحد 28 يونيو/حزيران 2015، نعته الرئاسة السورية، وقالت وكالة أنباء النظام “سانا”، إنه انتقل إلى جوار ربه إثر معـ.ـاناة مع مرض عضال.
مات محمد ناصيف خير بك وأخذ معه “أسرار” النظام “القـ.ـذرة” المتعلقة بالقـ.ـمع والقـ.ـتل والإرهـ.ـاب والخـ.ـوف.
مات ولم يحاكم وكأن “النظام” يرحل إلى جوار ربه “بالتقسيط”، مات ونعاه النظام الذي حرسه بنفسه طويلا بسطرين اثنين فقط.