دراسات وتحليل

باحث بريطاني: عودة تنظيم داعش إلى البادية السورية مجرد بداية

أوطان بوست – وكالات

عندما سيـ ـطرت «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة على قربة الباغوز أواخر مارس (آذار) 2019 حانت نهاية «الخلافة» المزعومة، التي أعلنها تنظيم «داعش».

وبذلك يكون أكبر تحالف عسكري دولي في العصر الحديث قد قضـ ـى أربع سنوات ونصف السنة لإنهـ ـاء سيـ ـطرة «داعش» على منطقة تعادل مساحة بريطانيا، تمتد عبر سوريا والعراق.

بصورة مجملة، نجحت عشرات الانتصارات في إنجاز التحالف الدولي على «داعش»، وصولاً إلى المعـ ـركة الأخيرة في الباغوز، لتشكل في مجملها إنجازاً عسكرياً هائلاً.

الباحث البريطاني شارلز ليستر / صورة من الإنترنت

ومع هذا، لا تحتاج التنظيمات الإرهابية إلى السيـ ـطرة على أراضٍ كي تضمن لنفسها البقاء.

في الواقع، ازدهر «داعش» وحركات سابقة له داخل منطقة الهلال الخصيب لفترات أطول بكثير من دون السيـ ـطرة على أراضٍ.

خلال العام منذ سقـ ـوط الباغوز وانتهاء مناطق «داعش»، أجرت الولايات المتحدة و«قوات سوريا الديمقراطية» المتحالفة معها تعديلات على الاستراتيجية المتبعة من أجل الإبقاء على مرحلة جديدة من الضـ ـغوط على «داعش».

وبعد فقدانه الأراضي التي كانت خاضعة لسيـ ـطرته، عاود بعض مسـ ـلحي التنظيم الانخراط في مجتمعات مدنية وفرّ كثيرون آخرون إلى داخل مناطق غير مأهولة ولا تخضع لسيـ ـطرة، حيث أعادوا تجميع صفوفهم فيها والإبقاء على شن أعمال تمـ ـرد.

اليوم، ينطوي التصدي لهذه النسخة الجديدة الأكثر مرونة من «داعش» على تحديات أكثر تعقـ ـيداً بكثير عن قتـ ـال تنظيم إرهـ ـابي يعمل في العلن وداخل منطقة واضحة الحدود.

إقرأ أيضاً: خطة تركية جديدة في إدلب .. جيش موحد ومنظّم يضم جميع الفصائل الثورية

ويتطلب التصدي لهذا العدو استـغـ ـلالاً أكثر عمقاً لتكتيكات فـ ـرض القانون، وجهوداً كثيفة لجمع المعلومات الاستخباراتية، وجهود استطلاع كثيفة بالطيران، ونشر قوات مدربة تدريباً جيداً وتتميز بالمرونة في الخطوط الأمامية بحيث تكون على معرفة وثيقة ببيئات العمل المحلية.

ورغم أن تهـ ـديد «داعش» لا يزال قائماً داخل الولايات المتحدة، والمناطق الخاضعة للقوات الديمقراطية السورية في شمال شرقي وشرق سوريا، فإنه يبدو تحت السيـ ـطرة وفي حالة تراجع بطيء.

للأخبار العاجلة تابع أوطان بوست على التيلجرام

بيد أنه على الجانب الغربي من نهر الفرات، داخل مناطق خاضعة – اسمياً على الأقل – لسيطرة النظام السوري، يبدو تهـ ـديد «داعش» وشكل الاستجابة له مختلفاً تمام الاختلاف.

على مدار العام الماضي، وجد «داعش» لنفسه ملاذاً آمناً وعمقاً استراتيجياً داخل منطقة البادية الخاضعة لسيـ ـطرة النظام السوري – منطقة صحراوية مترامية الأطراف وسط البلاد تشكّل الكثير من أجزاء حمص وشمال شرقي حماة وجنوب الرقة وغرب دير الزور.

وتجلّى تهـ ـديد «داعش» داخل منطقة البادية السورية في أبريل (نيسان) 2019 – شهرٌ شهد قـ ـتـ ـل «داعش» 65 عنصراً موالياً للنظام على الأقل.

إقرأ أيضاً: تجنيد سوريين بصفوف حفتر يثير جدلاً واسعاً لدى الإعلام الروسي .. وخبراء روس يستبعدون قدرة تركيا على عزل “تحرير الشام” في إدلب

واختفاء كتيبتين كاملتين من الجيش السوري لمدة 48 ساعة بعد أن حاصـ ـرتهما قوات «داعش»، واختفاء دورية روسية لساعات بعد أن طـ ـاردتها عناصر «داعش» في الصحراء في كمين معـ ـقّد نصبه التنظيم.

وأدت كثافة هجـ ـمـ ـات «داعش» ضـ ـد أهـ ـداف تابعة للنظام السوري في البادية في أبريل 2019 لعقد اجتماع طارئ نادر الحدوث في وقت لاحق من الشهر شارك فيه ضباط رفيعو المستوى من المؤسسة العسكرية السورية وإدارات الاستخبارات التابعة للقوات الجوية، والجيش السوري والمؤسسة العسكرية الروسية و«فيلق القدس» في «الحرس» الإيراني وجماعة «حزب الله» وعدد من الجماعات شبه العسكرية الموالية للنظام.

نهاية الاجتماع، اتفق المشاركون على أن ثمة حاجة لا إلى حمـ ـلة مكثفة لهـ ـزيمة «داعش»، وإنما إلى استراتيجية احتواء. وبعد أيام، أصبح السبب وراء ذلك واضحاً، وذلك عندما انسـ ـحبت قوات موالية للنظام من البادية وأُعيد نشرها في إدلب، لشن هـ ـجـ ـوم كبير هناك.

وخلال العام منذ اتخاذ ذلك القرار المصيري، تعزز وجود «داعش» تدريجياً في البادية السورية، مع إرسال المزيد والمزيد من القوات الموالية للنظام إلى إدلب.

بينما اتسمت القوات المتبقية على نحو متزايد بضـ ـعف مستوى التجهيز، ما جعلها عاجزة عن فعل أكثر عن مجرد دوريات من حين لآخر على طول الطرق الكبرى الحيوية.

إقرأ أيضاً: في ظل كورونا الاقتصاد السوري يتهاوى .. وبشار الأسد يهدي زوجته لوحة بــ”30مليون دولار”

ولم يحدث قط على مدار الأشهر الاثني عشر الأخيرة أن شنت قوات موالية للنظام هجوماً واحداً مستداماً وحقيقياً ضد «داعش» في المنطقة الصحراوية، حيث أسس التنظيم الإرهـ ـابـ ـي لنفسه بوضوح معـ ـقلاً جديداً.

ورغم خسـ ـارة أفراد كل أسبوع على مدار العام الماضي بسبب هـ ـجمـ ـات يشـ ـنها «داعش».

ظل اهتمام نظام الأسد منصبّاً على قضـ ـايا أخرى، خصوصاً شنَّه حمـ ـلات قصـ ـف عشوائي طيلة شهرين ضد 3.5 مليون مدني محاصرين داخل إدلب.

للأخبار العاجلة تابع أوطان بوست على التيلجرام

ومع انحسار الشتاء وقدوم الربيع وبدء تفشي وباء فيروس «كورونا» وتقييده لقدرة التحالف الموالي للنظام على نشر قواته بفاعلية، يبدو أن «داعش» يصعّد هجـ ـمـ ـاته في البادية.

وجدير بالذكر أن أخطر هـ ـجـ ـوم شنه التنظيم في أي مكان بالعراق أو سوريا خلال عام على الأقل وقع جنوب مدينة السخنة الحيوية لصناعة الغاز الطبيعي وذلك يومي 9 و10 أبريل، عندما نصب «داعش» عدة كمـ ـائن وشن هجـ ـمـ ـات عديدة ضـ ـد مواقع موالية للنظام، ما أسفر عن مقـ ـتـ ـل 10 جنود على الأقل – وربما يكون العدد الفعلي أكبر من ذلك بكثير.

وكانت تلك الهجـ ـمـ ـات لافتة في حجمها بالنظر إلى أنها اجتذبت أعمال قصف وهجـ ـمـ ـات بطائرات روسية نفاثة ومروحية على امتداد 36 ساعة – في مؤشر واضح إلى أن حجم الهجـ ـمـ ـات كان استثنائياً.

كما أعقب الهجـ ـمـ ـات العديد من الهجـ ـمـ ـات الأخرى الكبيرة من جانب «داعش» ضـ ـد مواقع تابعة للنظام في شمال شرقي حماة وغرب دير الزور، وكذلك ثلاث هجـ ـمـ ـات فتـ ـاكة أو أكثر بالاعتماد على عبوات متفـ ـجرة بدائية الصنع.

ويشير حجم ومستوى تعقيد الأحداث التي وقعت الأسبوع الماضي إلى أن الأمر لا يعدو كونه مسألة وقت قبل أن يسعى «داعش» للسيـ ـطرة من جديد على وسط أو شرق سوريا.

إقرأ أيضاً: باحث سوري: يؤكد أن فترة الهدوء في إدلب ليست قصيرة

ورغم الأهمية الكبيرة التي تشكّلها منطقة البادية للنظام (بها الجزء الأكبر من موارد الغاز الطبيعي في سوريا، والتي توفر بدورها الوقود لقطاع الطاقة بالبلاد)، لا يوجد بعد مؤشر على أنها ستتلقى الاستثمار الأمني الذي تستحقه.

ومن الواضح منذ سنوات حتى الآن، أن نظام الأسد لا يملك الإرادة ولا القدرة على احتواء، ناهيك بهـ ـزيمة «داعش».

واللافت أن الظروف التي أسهمت في تمدد «داعش» الهائل داخل سوريا عامي 2013 و2014 لا تزال قائمة – بل ازداد الكثير منها سوءاً.

وبالتالي، فإنه ليس هناك سبب منطقي يدعو للاعتقاد بأن النظام سيبلي بلاءً أفضل الفترة المقبلة، وبالتالي سيتعيّن على المجتمع الدولي، سواء شاء أم أبى، بذل كل ما بوسعه لإلحاق الضـ ـعف بقدرات داخل سوريا بنفسه.

ومع أن فكرة ترك أمر «داعش» للأسد وسوريا وإيران تحظى بشعبية متزايدة في الولايات المتحدة، فإنه بالنظر إلى السوابق الأخيرة، لا يبدو أن هناك ما هو أخـ ـطر من ذلك.

المصدر: الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً